صفحة رقم ٣١٣
أو تسير نجومها أو يختلف بأمرك ليلها ونهارها ؟ أين كنت مني يوم أنبعت الأنهار وسكبت البحار ؟ أبسلطانك حبست أمواج البحار على حدودها أم بقدرتك فتحت الأرحام حين بلغت ملتها ؟ أين كنت مني يوم صببت الماء على التراب ونصبت شوامخ الجبال ؟ هل تدري على أي شيء أرسيتها أم بأي مثقال وزنتها ؟ أم هل لك من ذراع تطيق حملها ؟ أم هل تدري من أين الماء الذي أنزلت من السماء ؟ أم هل تدري من أي شيء أنشأت السحاب ؟ أم هل تدري أين خزانة الثلج ؟ أم أين جبال البرد ؟ أم أين خزانة الليل بالنهار وخزانة النهار بالليل ؟ وأين خزانة الريح ؟ وبأي لغة تتكلم الأشجار ومن جعل العقول في أجواف الرجال ؟ وشق الأسماع والأبصار ؟ ومن ذلت الملائكة لملكه وقهر الجبارين بجبروته وقسم الأرزاق بحكمته ؟ في كلام كثير يدل على آثار قدرته ذكرها لأيوب فقال أيوب : صغر شأني وكل لساني وعقلي ورأيي وضعفت قوتي عن هذا الأمر الذي يعرض عليَّ إلهي.
قد علمت أن كل الذي قد ذكرت صنع يديك وتدبير حكمتك وأعظم من ذلك وأعجب لو شئت عملت ولا يعجزك شيء ولا تخفى عليك خافية إلهي أوثقني البلاء فتكلمت ولم أملك نفسي فكان البلاء الذي أنطقني.
ليت الأرض انشقت بي فذهبت فيها ولم أتكلم بشيء يسخطك.
ربي وليتني مت بغمي في أشد بلائي قبل ذلك.
إنما تكلمت حين تكلمت بعذري، وسكت حين سكت لترحمني كلمة زلت مني فلن أعود، وقد وضعت يدي على فمي وعضضت على لساني وألصقت بالتراب خدي، أعوذ بك اليوم منك وأستجير بك من جهد البلاء، فأجرني وأستغيث بك من عقابك فأغثني، وأستعينك عن أمري فأعني، وأتوكل عليك فاكفني، وأعتصم بك فاعصمني وأستغفرك فاغفر لي فلن أعود لشيء تكرهه مني.
قال الله تعالى : يا أيوب نفذ فيك علمي وسبقت رحمتي غضبي، فقد غفرت لك، ورددت عليك أهلك ومالك ومثلهم معهم لتكون لمن خلفك آية وتكون عبرة لأهل البلاء وعزاً للصابرين، فاركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، فمنه تناول وقرب عن أصحابك قرباناً استغفر لهم، فإنهم قد عصوني فيك.
روي عن أنس يرفعه أن أيوب لبث ببلائه ثماني عشرة سنة، وقال وهب : ثلاث سنين لم يزد يوماً، وقال كعب : سبع سنين، وقال الحسن : مكث أيوب مطروحاً على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهراً يختلف فيه الدود، لا يقربه أحد غير رحمة صبرت معه بصدق، وكانت تأتيه بالطعام،