صفحة رقم ٣١٤
وتحمد الله معه إذ حمد، وأيوب مع ذلك لا يفتر عن ذكر الله تعالى والصبر على بلائه، فصرخ إبليس صرخة جمع فيها جنوده من أقطار الأرض، فلما اجتمعوا إليه قالوا : ما أحزنك ؟ قال : أعياني هذا العبد الذي لم أدع له مالاً ولا ولداً ولم يزدد إلا صبراً، ثم سلطت على جسده فتركته قرحة ملقاة على كناسة لا تقربه إلا امرأته، فاستعنت بكم لتعينوني عليه، فقالوا له : فأين مكرك الذي أهلكت به من مضى ؟ قال : بطل ذلك كله في أيوب فأشيروا عليَّ قالوا : من أين أتيت آدم حين أخرجته من الجنة ؟ قال : من قبل امرأته.
قالوا فشأنك بأيوب من قبل امرأته فإنه لا يستطيع أن يعصيها وليس يقربه أحد غيرها.
قال : أصبتم فانطلق إبليس حتى أتى رحمة امراة أيوب وهي تصدق فتمثل لها في صورة رجل وقال لها : أين بعلك يا أمة الله ؟ قالت هو ذاك يحك قروحه ويتردد الديدان في جسده.
فلما سمعها طمع أن تكون كلمة جزع، فوسوس إليها وذكرها ما كانت فيه من النعم والمال، وذكرها جمال أيوب وشبابه وما هو فيه من الضر، وأن ذلك لا ينقطع عنه أبداً، فصرخت فعلم أنها قد جزعت فأتاها بسخلة وقال : ليذبح لي هذه أيوب ويبرأ افجاءت تصرخ يا أيوب حتى متى يعذبك ربك أين المال أين الولد أين الصديق أين لونك الحسن أين جسمك الحسن ؟ اذبح هذه السخلة واسترح.
قال أيوب : أتاك عدو الله فنفخ فيك ؟ ويلك أرأيت ما تبكين عليه من المال والولد والصحة من أعطانيه ؟ قالت الله قال كم متعنا به قالت ثمانين سنة.
قال فمنذ كم ابتلانا قالت منذ سبع سنين وأشهر قال ويلك ما أنصفت ربك ألا صبرت في البلاء ثمانين سنة كما كنا في الرخاء ثمانين سنة، والله لئن شفاني الله لأجلدنك مائة جلدة أمرتيني أن أذبح لغير الله.
طعامك وشرابك الذي تأتيني به علي حرام أن أذوق منه شيئاً أعزبي عني فلا أراك، فطردها، فذهبت.
فلما نظر أيوب وليس عنده طعام ولا شراب ولا صديق خر ساجداً لله وقارب ) أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ( فقيل له ارفع رأسك فقد استجبت لك اركض برجلك، فركض برجله فنبعت عين ماء، فاغتسل منها فلم يبق عليه من درنه ودائه شيء ظاهر إلا سقط، وعاد شبابه وجماله أحسن ما كان، ثم ضرب برجله فنبعت عين أخرى فشرب منها، فلم يبق في جوفه داء إلا خرج، فقام صحيحاً وكسي حلة فجعل يلتفت فلا يرى شيئاً مما كان عليه وما كان له.
من أهل ومال إلا وقد ضعفه الله له وذكر لنا أن الماء الذي اغتسل منه تطاير على صدره جراد من ذهب فجعل يضمه بيده فأوحى الله إليه يا أيوب ألم أغنك ؟ قال بلى ولكنها بركتك فمن يشبع منها ؟ قال : فخرج حتى جلس على مكان مشرف.
ثم إن امرأته قالت : أرأيت إن كان طردني إلى من أكله ؟ أدعه يموت جوعاً ؟ ويضيع فتأكله السباع ؟ لأرجعن إليه.
فرجعت إليه فلا الكناسة رأت، ولا تلك الحالة التي كانت تعرف، وإذا الأمور قد تغيرت فجعلت تطوف حيث كانت الكناسة وتبكي وذلك بعيني أيوب، وهابت صاحب الحلة أن تأتيه فتسأله عن أيوب، فدعاها وقال : ما تريدين


الصفحة التالية
Icon