صفحة رقم ٣٢٠
نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة وفي رواية صوتاً معروفاً من مكان مجهول فقال : ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت فقالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح قال نعم فشفعوا له عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل فذلك.
الأنبياء :( ٨٨ - ٩٢ ) فاستجبنا له ونجيناه...
" فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " ( قوله تعالى :( فاستجبنا له ونجيناه من الغم ( أي تلك الظلمات ) وكذلك ننجي المؤمنين ( أي من الكروب إذا دعونا واستغاثوا بنا.
فإن قلت قد تمسك بمواضع من هذه القصة من أجاز وقوع الذنب من الأنبياء منها قوله ) إذ هب مغاضباً ( " ومنها ) فظن أن لن نقدر عليه ( " ومنها قوله ) إني كنت من الظالمين ( " قلت أما الجواب الكلي فقد اختلفوا في هذه الواقعة هل كانت من قبل الرسالة أم لا ؟ فقال ابن عباس : كانت رسالته بعد أن أخرجه الله من بطن الحوت بدليل قوله تعالى في الصافات بعد ذكر خروجه ) وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ( " فثبت بهذا أن هذه الواقعة كانت قبل النبوة وقد أجاز بعضهم عليه الصغائر قبل النبوة ومنعها بعد النبوة وهو الصحيح.
وأما الجواب التفصيلي لقوله إذ ذهب مغاضباً فحمله على أنه لقومه أو للملك أولى بحال الأنبياء وأما قوله ) فظن أن لن نقدر عليه ( " فقد تقدم معناه أي لن نضيق عليه وذلك أن يونس ظن أنه مخير إن شاء أقام وإن شاء خرج.
وإن الله تعالى لا يضيق عليه في اختياره وقيل هو من القدر لا من القدرة وأما قوله ) إني كنت من الظالمين ( " فالظلم وضع الشيء في غير موضعه وهذا اعتراف عند بعضهم بذنبه فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربه أو لضعفه عما حمله، أو لدعائه بالعذاب على قومه وفي هذه الأشياء ترك الأفضل مع قدرته على تحصيله فكان ذلك ظلماً.
وقيل كانت رسالته قبل هذه الواقعة بدليل قوله ) وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون ( " فعلى هذا يكون الجواب عن هذه الواقعة ما تقدم من التفصيل والله أعلم.
قوله عز وجل ) وزكريا إذ نادى ربه ( أي دعا ربه فقال ) رب لا تذرني فرداً ( أي وحيداً لا ولد لي يساعدني وارزقني وارثاً ) وأنت خير الوارثين ( هو ثناء على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق وأنه الوارث لهم وهذا على سبيل التمثيل والمجاز فهو كقوله وأنت خير الرازقين ) فاستجبنا له ووهبنا له يحيى ( أي ولداً ) وأصلحنا له زوجة ( أي جعلناها ولوداً بعد ما كانت عقيماً وقيل كانت سيئة الخلق


الصفحة التالية
Icon