صفحة رقم ٣٥
بعد لأنهم قد أجابوا بالتكذيب وهو أن الأمم ردوا على رسلهم ) وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ( يعني إنا كفرنا بما زعمتم أن الله أرسلكم به لأنهم لم يقروا بأنهم أرسلوا إليهم لأنهم لو أقروا بأن الرسل أرسلوا إليهم لكانوا مؤمنين ) وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ( يعني يوجب الريبة أو يوقع في الريبة والتهمة، والريبة قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الأمر الذي يشك فيه.
فإن قلت : إنهم قالوا أولاً إنا كفرنا بما أرسلتم به فكيف يقولون ثانياً وإنا لفي شك والشك دون الكفر أو داخل فيه.
قلت : إنهم لما صرحوا بكفرهم بالرسل فكأنهم حصل لهم شبهة توجب لهم الشك فقالوا : إن لم تدع الجزم في كفرنا فلا أقل من أن نكون شاكّين مرتابين في ذلك ) قالت رسلهم ( يعني مجيبين لأممهم ) أفي الله شك ( يعني وهل تشكون في الله وهو استفهام إنكار ونفي لما اعتقدوه ) فاطر السموات والأرض ( يعني وهل تشكون في كونه خالق السموات والأرض وخالق جميع ما فيهما ) يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ( يعني ليغفر لكم ذنوبكم إذا آمنتم وصدقتم وحرف ( من ) صلة وقيل : إنها أصل ليست بصلة، وعلى هذا إنه يغفر لهم ما بينهم وبينه من الكفر والمعاصي دون مظالم العباد ) ويؤخركم إلى أجل مسمى ( يعني إلى حين انقضاء آجالكم فلا يعاجلكم بالعذاب ) قالوا ( يعني الأمم مجيبين للرسل ) إن أنتم ( يعني ما أنتم ) إلا بشر مثلنا ( يعني في الصورة الظاهرة لستم ملائكة ) تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ( يعني ما تريدون بقولكم : هذا إلا صدنا عن آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ) فأتونا بسلطان مبين ( حجة بينة واضحة على صحة دعواكم ) قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ( يعني أن الكفار لما قالوا لرسلهم : إن أنتم إلا بشر مثلنا قالت لهم رسلهم مجيبين لهم : هب أن الأمر كما قلتم ووصفتم فنحن بشر مثلكم لا ننكر ذلك ) ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ( يعني بالنبوة والرسالة فيصطفي من يشاء من عباده لهذا المنصب العظيم الشريف ) وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ( يعني وليس لنا من ما خصنا الله به من النبوة وشرفنا به من الرسالة أن نأتيكم بآية، وبرهان ومعجزة تدل على صدقنا إلا بإذن الله لنا في ذلك ) وعلى الله فليتوكل المؤمنون ( يعني في دفع شرور أعدائهم عنهم ) وما لنا أن لا نتوكل على الله ( يعني أن الأنبياء قالوا أيضاً قد عرفنا أنه لا يصيبنا شيء إلا بقضاء الله وقدره فنحن نثق به ونتوكل عليه في دفع شروركم عنا ) وقد هدانا سبلنا ( يعني وقد عرفنا طريق النجاة، وبين لنا الرشد ) ولنصبرن ( اللام لام القسم تقديره والله لنصبرن ) على ما آذيتمونا ( يعني به من قول أو فعل ) وعلى الله فليتوكل المتوكلون (.
فإن قلت : كيف كرر الأمر بالتوكل ؟ وهل من فرق بين التوكلين ؟ قلت : نعم التوكل الأول فيه إشارة إلى استحداث التوكل والتوكل الثاني فيه إشارة إلى السعي في التثبيت على ما استحدثوا من توكلهم وإبقائه وإدامته فحصل الفرق بين التوكلين.
قوله تعالى :( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ( يعني ليكونن أحد الأمرين إما إخراجكم أيها الرسل من بلادنا وأرضنا وإما عودكم في ملتنا.
فإن قلت : هذا يوهم بظاهره أنهم كانوا على ملتهم في أول الأمر حتى يعود فيها قلت : معاذ الله ولكن العود هنا بمعنى الصيرورة وهو كثير في كلام العرب، وفيه وجه آخر، وهو أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام


الصفحة التالية
Icon