صفحة رقم ٥١
السلام ففيه بشارة عظيمة لجميع المؤمنين بالمغفرة.
قوله سبحانه وتعالى ) ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ( الغفلة معنى يمنع الإنسان من الوقوف على حقائق الأمور وقيل حقيقة الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ وهذا في حق الله محال فلا بد من تأويل الآية فالمقصود منها أنه سبحانه وتعالى ينتقم من الظالم للمظلوم ففيه وعيد وتهديد للظالم وإعلام له بأن لا يعامله معاملة الغافل عنه بل ينتقم ولا يتركه مغفلاً قال سفيان بن عيينة : فيه تسلية للمظلوم وتهديد للظالم.
فإن قلت : تعالى الله عن السهو والغفلة فكيف يحسبه رسول الله ( ﷺ ) غافلاً وهو أعلم الناس به أنه لم غافلاً حتى قيل له ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون.
قلت : إذا كان المخاطب به رسول الله ( ﷺ ) ففيه وجهان : أحدهما التثبيت على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلاً فهو كقوله ) ولا تكونن من المشركين ( " ) ولا تدع مع الله إلهاً آخر ( " وكقوله سبحانه وتعالى ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا ( " أي اثبتوا على ما أنتم عليه من الإيمان.
الوجه الثاني أن المراد بالنهي عن حسابه غافلاً الإعلام بأنه سبحانه وتعالى عالم بما يفعل الظالمون ولا يخفى عليه شيء وأنه ينتقم منهم فهو على سبيل الوعيد والتهديد لهم والمعنى : ولا تحسبنه معاملهم معاملة الغافل عنهم ولكن يعاملهم معاملة الرقيب الحفيظ عليهم المحاسب لهم على الصغير والكبير وإن كان المخاطب غير النبي ( ﷺ ) فلا إشكال فيه ولا سؤال لأن أكثر الناس غير عارفين بصفات الله فمن جوز أن يحسبه غافلاً فلجهله بصفاته ) إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ( يقال : شخص بصر الرجل إذا بقيت عيناه مفتوحتين لا يطرفهما، وشخوص البصر يدل على الحيرة والدهشة من هول ما ترى في ذلك اليوم ) مهطعين ( قال قتادة مسرعين وهذا قول أبي عبيدة فعلى هذا المعنى أن الغالب من حال من بقي بصره شاخصاً من شدة الخوف أن يبقى واقفاً باهتاً فبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أن أحوال أهل الوقف يوم القيامة بخلاف الحال المعتادة فأخبر سبحانه وتعالى أنهم مع شخوص الأبصار يكونون مهطعين يعني مسرعين نحو الدعي وقيل المهطع الخاضع الذليل الساكت ) مقنعي رؤوسهم ( الاقناع رفع الرأس إلى فوق فأهل الموقف من صفتهم أنهم رافعو رؤوسهم إلى السماء وهذا بخلاف المعتاد لأن من يتوقع البلاء فإنه يطرق ببصره إلى الأرض قال الحسن وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد وهو قوله تعالى ) لا يرتد إليهم طرفهم ( أي لا ترجع إليهم أبصارهم من شدة الخوف فهي شاخصة لا ترتد إليهم قد شغلهم ما بين أيديهم ) وأفئدتهم هواء ( أي خالية.
قال قتادة خرجت قلوبهم من صدورهم فصارت في حناجرهم فلا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها ومعنى الآية أن أفئدتهم خالية فارغة لا تعي شيئاً ولا تعقل من شدة الخوف.
وقال سعيد بن جبير : وأفئدتهم هواء مترددة تهوي في أجوافهم ليس لها مكان تستقر فيه، ومعنى الآية أن القلوب يومئذ زائلة عن أماكنها والأبصار شاخصة والرؤوس مرفوعة إلى السماء من هول ذلك اليوم وشدته.
إبراهيم :( ٤٤ ) وأنذر الناس يوم...
" وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " ( ) وأنذر الناس ( يعني وخوف الناس يا محمد بيوم القيامة وهو قوله سبحانه وتعالى ) يوم يأتيهم العذاب