صفحة رقم ٥٢
فيقول الذين ظلموا ( يعني ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي ) ربنا أخرنا إلى أجل قريب ( يعني أمهلنا مدة يسيرة قال بعضهم : طلبوا الرجوع إلى الدنيا حتى يؤمنوا فينفعهم ذلك وهو قوله تعالى ) نجب دعوتك ونتبع الرسل ( فأجيبوا بقوله ) أولم تكونوا أقسمتم من قبل ( يعني في دار الدنيا ) مالكم من زوال ( يعني ما لكم عنها انتقال وةلا بعث ولا نشور.
إبراهيم :( ٤٥ - ٤٨ ) وسكنتم في مساكن...
" وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار " ( ) وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( يعني بالكفر والمعاصي ممن كان قبلكم من كفار الأمم الخالية كقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ) وتبين لكم كيف فعلنا بهم ( يعني وقد عرفتم كيف كان عقوبتنا إياهم ) وضربنا لكم الأمثال ( يعني الأمثال التي ضربها الله عز وجل في القرآن ليتدبروها، ويعتبروا بها فيجب على كل من شاهد أحوال الماضين من الأمم الخالية، والقرون الماضية، وعلم ما جرى لهم وكيف أهلكوا أن يعتبر بهم، ويعمل في خلاص نفسه من العقاب والهلاك.
قوله سبحانه وتعالى ) وقد مكروا مكرهم ( اختلفوا في الضمير إلى من يعود في قوله، وقد مكروا فقيل يعود إلى الذين سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم، وهذا القول صحيح لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب مذكور وقيل : إن المراد بقوله وقد مكروا كفار قريش الذين مكروا برسول الله صل الله عليه وسلم ومكرهم ما ذكره الله تعالى بقوله تعالى ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ( الآية والمعنى وأنذر الناس يا محمد، يوم يأتيهم العذاب يعني بسبب مكرهم بك.
وقوله تعالى ) وعند الله مكرهم ( يعني جزاء مكرهم وقيل إن مكرهم مثبت عند الله ليجازيهم به يوم القيامة ) وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ( يعني وإن كان مكرهم لأضعف من أن تزول منه الجبال وقيل : معناه إن مكرهم لا يزيل أمر محمد ( ﷺ ) الذي هو ثابت كثبوت الجبال وقد حكي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في الآية قولاً آخر : وهو أنها نزلت في نمرود الجبار الذي حاجّ إبراهيم في ربه فقال نمرو : إن كان ما يقول إبراهيم حقاً فلا أنتهى حتى أصعد إلى السماء فأعلم ما فيها فعمد إلى أربعة أفراخ من النسور