صفحة رقم ٥٣
فرباهن حتى كبرت وشبت، واتخذ تابوتاً من خشب وجعل له باباً من أعلى وباباً من أسفل ثم جوع النسور ونصب خشبات أربعاً في أطراف التابوت وجعل على رؤوس تلك الخشبات لحماً أحمر وقعد هو في التابوت، وأقعد معه رجلاً آخر، وأمر بالنسور فربطت في أطراف التابوت من أسفل فجعلت النسور كلما رأت اللحم رغبت فيه، وطارت إليه فطارت النسور يوماً أجمع حتى بعدت في الهواء فقال نمرود لصاحبه : افتح الباب الأعلى وانظر إلى السماء هل قربنا منها ففتح ونظر فقال له إن السماء كهيئتها فقال له : افتح الباب الأسفل فانظر إلى الأرض كيف تراها ففعل فقال : أرى الأرض مثل اللجة والجبال مثل الدخان.
قال : فطارت النسور يوماً آخر وارتفعت حتى حالت الريح بينها وبين الطيران فقال نمرود لصاحبه : افتح الباب الأعلى ففعل فإذا السماء كهيئتها، وفتح الباب الأسفل فإذا الأرض سوداء مظلمة فنودي أيها الطاغي أين تريد ؟ قال عكرمة : وكان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنشاب وأخذ معه الترس، ورمى بسهم فعاد إليهم السهم ملطخاً بدم سمكة قذفت بنفسها من بحر في الهواء وقيل إن طائراً أصابه السهم فلما رجع إليهم السهم مطلخاً بالدم قال كفيت إله السماء ثم أمر نمرود صاحبه أن يصوب الخشبات إلى أسفل، وينكس اللحم ففعل فهبطت النسور بالتابوت فسمعت الجبال خفيق التابوت والنسور ففزعت، وظنت أنه قد حدث حدث من السماء إن الساعة قد قامت فكادت تزول عن أماكنها، فذلك قوله تعالى وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال واستبعد العلماء هذه الحكاية وقال : إن الخطر فيه عظيم ولا يكاد عاقل أن يقدم على مثل هذا الأمر العظيم وليس فيه خير صحيح يعتمد عليه، ولا مناسبة لهذه الحكاية بتأويل الآية البتة ) فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ( يعني فلا تحسبن الله يا محمد مخلف ما وعد به رسله من النصر وإعلاء الكلمة، وإظهار الدين فإنه ناصر رسله وأوليائه ومهلك أعدائه، وفيه تقديم وتأخير تقديره ولا تحسبن الله مخلف رسله وعده ) إن الله عزيز ( أي غالب ) ذو انتقام ( يعني من أعدائه قوله عز وجل ) يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ( ذكر المفسرون في معنى هذا التبديل قولين أحدهما أنه تبدل صفة الأرض والسماء لا ذاتهما فأما تبديل الأرض فبتغيير صفتها وهيئتها مع بقاء ذاتها وهو أن تدك جبالها وتسوى وهادها وأوديتها، وتذهب أشجارها وجميع ما عليها من عمارة وغيرها لا يبقى على وجهها شيء إلا ذهب، وتمد مد الأديم وأما تبديل السماء فهو أن تنتثر كواكبها وتطمس شمسها، وقمرها ويكوران كونها تارة كالدهان، وتارة كالمهل وبهذا القول قال جماعة من العلماء : ويدل على صحة هذا القول ما روي عن سهل بن سعيد قال : قال رسول الله ( ﷺ ) ( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقى ليس بها علم لأحد ) أخرجاه في الصحيحين العفراء بالعين المهملة، وهي البيضاء