صفحة رقم ٥٧
أن الرجل المضروب لهم وهو وقت الموت، أو نزول العذاب لا يتقدم ولا يتأخر وهو قوله سبحانه وتعالى :( وما يستأخرون ( وإنما أدخل الهاء في أجلها لإرادة الأمة، وإخراجها من قوله وما يستأخرون لإرادته الرجال.
قوله عز وجل ) وقالوا ( يعني مشركي مكة ) يا أيها الذي نزل عليه الذكر ( يعني القرآن وأرادوا به محمداً ( ﷺ ) ) إنك لمجنون ( إنما نسبوه إلى الجنون لأنه ( ﷺ )، كان يظهر عند نزول الوحي عليه ما يشبه الغشي، فظنوا أن ذلك جنون فلهذا السبب نسبوه إلى الجنون، وقيل : إن الرجل إذا سمع كلاماً مستغرباً من غيره فربما نسبه إلى الجنون، ولما كانوا يستبعدون كونه رسولاً من عند الله، وأتى بهذا القرآن العظيم أنكروه ونسبوه إلى الجنون، وإنما قالوا : يا أيها الذي نزل عليه الذكر على طريق الاستهزاء وقيل : معناه يا أيها الذي نزل عليه الذكر في زعمه، واعتقاده واعتقاد أصحابه وأتباعه إنك لمجنون في ادعائك الرسالة ) لو ما ( قال الزجاج والفراء : لو ما ولولا لغتان ومعناهما هلا يعني هلا ) تأتينا بالملائكة ( يعني يشهدون لك بأنك رسول من عند الله حقاً ) إن كنت من الصادقين ( يعني في قولك وادعائك الرسالة ) ما ننزل الملائكة إلا بالحق ( يعني بالعذاب أو وقت الموت، وهو قوله تعالى ) وما كانوا إذاً منظرين ( يعني لو نزلت الملائكة إليهم لم يمهلوا ولم يؤخروا ساعة واحدة وذلك أن كفار مكة كانوا يطلبون من رسول الله ( ﷺ ) إنزال الملائكة عياناً فأجابهم الله عز وجل بهذا، والمعنى لو نزلوا عياناً لزال عن الكفار الإمهال وعذبوا في الحال إن لم يؤمنوا ويصدقوا ) إنّا حن نزلنا الذكر ( يعني القرآن أنزلناه عليك يا محمد، وإنما قال سبحانه وتعالى : إنا نحن نزلنا الذكر جواباً لقولهم : يا أيها الذين نزل عليه الذكر فأخبر الله عز وجل هو الذي نزل الذكر على محمد ( ﷺ ) ) وإنا له لحافظون ( الضمير في له يرجع إلى الذكر يعني، وإنا للذكر الذي أنزلناه على محمد لحافظون يعني من الزيادة فيه، والنقص منه والتغيير والتبديل والتحريف، فالقرآن العظيم محفوط من هذه الأشياء كلها لايقدر أحد من جميع الخلق من الجن والإنس أن يزيد فيه، أو ينقص منه حرفاً واحداً أو كلمة واحدة، وهذا مختص بالقرآن العظيم بخلاف سائر الكتب المنزلة فإنه قد دخل على بعضها التحريف، والتبديل والزيادة والنقصان ولما تولى الله عز وجل حفظ هذا الكتاب بقي مصوناً على الأبد محروساً من الزيادة والنقصان، وقال ابن السائب ومقاتل : الكناية في له راجعة إلى محمد ( ﷺ ) يعني وإنا لمحمد لحافظون ممن أراده بسوء فهو كقوله تعالى ) والله يعصمك من الناس ( " ووجه هذا القول أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر الإنزال، والمنزل دل ذلك على المنزل عليه وهو محمد ( ﷺ ) فحسن صرف الكناية إليه لكونه أمراً معلوماً إلا أن القول الأول أصح، وأشهر، وهو قول الأكثرين لأنه أشبه بظاهر التنزيل ورد الكناية إلى أقرب مذكور أولى، وهو الذكر وإذا قلنا : إن الكناية عائدة إلى القرآن، وهو الأصح فاختلفوا في كيفية حفظ الله عز وجل للقرآن فقال بعضهم : حفظه بأن جعله معجزاً باقياً مبايناً لكلام البشر فعجز الخلق عن الزيادة فيه، والنقصان منه لأنهم لو أرادوا الزيادة فيه والنقصان منه لتغيير نظمه، وظهر ذلك لكل عالم عاقل وعلموا ضرورة أن ذلك ليس بقرآن، وقال آخرون : إن الله حفظه وصانه من المعارضة فلم يقدر أحد من الخلق أن يعارضه.
وقال آخرون : بل أعجز الله الخلق عن


الصفحة التالية
Icon