صفحة رقم ٦٨
أو تجري هذه العيون من بعضهم إلى بعض ؟ وكلا الأمرين محتمل فيحتمل أن كل واحد من أهل الجنة يختص بعيون تجري في جناته، وقصوره ودوره فينتفع بها هون ومن يختص به من حوره وولدانه، ويحتمل أنها تجري من جنات بعضهم إلى جنات بعض لأنهم قد طهروا من الحسد والحقد.
( الحجر :( ٤٦ - ٦٠ ) ادخلوها بسلام آمنين
" ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين " ( ) ادخلوها ( أي يقال لهم : ادخلوها والقائل هو الله تعالى أو بعض ملائكته ) بسلام آمنين ( يعني ادخلوا الجنة مع السلامة والأمن من الموت ومن جميع الآفات ) ونزعنا ما في صدورهم من غل ( الغل الحقد الكامن في القلب.
ويطلق على الشحناء والعداوة والبغضاء والحقد والحسد، وكل هذه الخصال المذمومة داخلة في الغل لأنها كامنة في القلب يروى أن المؤمنين يحبسون على باب الجنة فيقتص بعضهم من بعض ثم يؤمر بهم إلى الجنة، وقد نقيت قلوبهم من الغل والغش والحقد والحسد ) إخواناً ( يعني في المحبة والمودة والمخالطة، وليس المراد منه إخوة النسب ) على سرر ( جمع سرير.
قال بعض أهل المعاني : السرير مجلس رفيع عدل مهيأ للسرور وهو مأخوذ منه لأنه مجلس سرور.
وقال ابن عباس : على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل صنعاء إلى الجابية ) متقابلين ( يعني يقابل بعضهم بعضاً لا ينظر أحد منهم في قفا صاحبه، وفي بعض الأخبار أن المؤمن في الجنة إذا أراد أن يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان ) لايمسهم فيها ( يعني في الجنة ) نصب ( أي تعب ولا إعياء ) وما هم منها ( يعني من الجنة ) بمخرجين ( هذا نص من الله في كتابه على خلود أهل الجنة في الجنة، والمراد منه خلود بلا زوال وبقاء بلا فناء، وكمال بلا نقصان وفوز بلا حرمان.
قوله سبحانه وتعالى ( نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم ( قال ابن عباس : يعني لمن تاب منهم وروي أن النبي ( ﷺ ) خرج على أصحابه وهم يضحكون فقال :( أتضحكون وبين أيديكم النار فنزل جبريل بهذه الآية وقال : يقول لك ربك يا محمد مم تقنط عبادي ) ذكره البغوي بغير سند ) وأن عذابي هو العذاب الأليم ( قال قتادة بلغنا أن النبي ( ﷺ ) قال ( لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام ولو يعلم العبد قدر عذابه لبخع نفسه ) يعني لقتل نفسه
( خ ) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول :( إن الله سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأدخل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ) وفي الآية لطائف منها أنه سبحانه وتعالى أضاف العباد إلى نفسه بقوله نبىء عبادي وهذا تشريف وتعظيم لهم، ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمداً ( ﷺ ) ليلة المعراج لم يزد على قوله ) سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ( " فكل من اعترف على نفسه بالعبودية لله تعالى فهو داخل في هذا التشريف العظيم، ومنها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة أولها قوله : أني وثانيها أنا وثالثها إدخال الألف واللام في الغفور الرحيم، وهذا يدل على تغليب جانب الرحمة والمغفرة.
ولما ذكر العذاب لم يقل إني أنا


الصفحة التالية
Icon