صفحة رقم ٧٤
وسلم وإذا كان الأمر كذلك صح أن تفسر هذه الآية بهذه السورة، القول الثالث : أن السبع المثاني هي السور التي هي دون الطوال، وفوق المفصل وهي المئين، وحجة هذا القول الحديث المتقدم وأعطاني مكان الزبور المثاني، والقول الرابع : أن السبع المثاني هي القرآن كله وهذا قول طاوس وحجة هذا القول أن الله سبحانه وتعالى قال ) الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني ( " وسمي القرآن كله مثاني لأن الأخبار والقصص والأمثال ثنيت فيه فإن قلت : كيف يصح عطف القرآن في قوله ) والقرآن العظيم ( على قوله ) سبعاً من المثاني ( وهل هو إلا عطف الشيء على نفسه ؟ قلت : إذا عني بالسبع المثاني فاتحة الكتاب أو السبع الطوال فما وراءهن ينطلق عليه القرآن لأن القرآن اسم يقع على البعض كما يقع على الكل ألا ترى إلى قوله بما أوحينا إليك هذا القرآن يعني سورة يوسف عليه السلام.
وإذا عنى بالسبع المثاني القرآن كله كان المعنى ولقد آتيناك سبعاً من المثاني، وهي القرآن العظيم وإنما سمي القرآن عظيماً، لأنه كلام الله ووحيه أنزله على خير خلقه محمد ( ﷺ ).
قوله ) لا تمدن عينيك ( الخطاب للنبي ( ﷺ ) أي لا تمدن عينيك يا محمد ) إلى ما متعنا به أزواجاً ( يعني أصنافاً ) منهم ( يعني من الكفار متمنياً لها نهى الله عز وجل رسوله ( ﷺ ) عن الرغبة في الدنيا، ومزاحمة أهله عليها والمعنى أنك قد أوتيت القرآن العظيم الذي فيه غنى عن كل شيء، فلا تشغل قلبك وسرك بالالتفات إلى الدنيا والرغبة فيها.
روي أن سفيان بن عيينة تأول قول النبي ( ﷺ ) ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) يعني من لم يستغن بالقرآن فتأول هذه الآية.
قيل : إنما يكون مادّاً عينيه إلى الشيء، إذا أدام النظر إليه مستحسناً له فيحصل من ذلك تمني ذلك الشيء المستحسن، فكان رسول الله ( ﷺ ) لا ينظر إلى شيء من متاع الدنيا ولا يلتفت إليه ولا يستحسنه ) ولا تحزن عليهم ( يعني ولا تغتم على ما فاتك من مشاركتهم في الدنيا وقيل ولا تحزن على إيمانهم إذا لم يؤمنوا ففيه النهي عن الالتفات إلى أموال الكفار، والالتفات إليهم أيضاً وروى البغوي بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ﷺ ) ( لاتغبطن فاجراً بنعمته فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته أن له عند الله قاتلاً لا يموت قيل : وما هو ؟ قال : النار )
( ق ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ﷺ ) ( إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال، والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه ) لفظ البخاري ولمسلم قال : قال رسول الله ( ﷺ ) ( انظروا إلى من هو أسفل منكم و لاتنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) قال عوف بن عبد الله بن عتبة : كنت أصحب الأغنياء فما كان أحد أكثر هماً مني كنت أرى دابة خيراً من دابتي وثوباً خيراً من ثوبي، فلما سمعت هذه الحديث صحبت الفقراء فاسترحت.
وقوله سبحانه وتعالى ) واخفض جناحك ( يعني ليِّن جانبك ) للمؤمنين ( وارفق بهم لما نهاه الله سبحانه وتعالى عن الالتفات إلى الأغنياء من الكفار، أمره بالتواضع واللين والرفق بفقراء المسلمين