صفحة رقم ٧٩
به مجيء القيامة.
قال ابن عباس : لما نزل قوله سبحانه وتعالى ) اقتربت الساعة وانشق القمر ( " قال الكفار : بعضهم لبعض إن هذا الرجل يزعم أن القيامة قد قربت فامسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء قالوا : ما نرى شيئاً فنزل قوله تعالى ) اقترب للناس حسابهم ( " فأشفقوا فلما امتدت الأيام، قالوا : يا محمد ما نرى شيئاً مما تخوفنا به فنزل ) أتى أمر الله ( فوثب النبي ( ﷺ ) ورفع الناس رؤوسهم، وظنوا أنها قد أتت حقيقة فنزل ) فلا تستعجلوه ( فاطمأنوا، والاستعجال طلب مجيء الشيء قبل وقته ولما نزلت هذه الآية قال النبي ( ﷺ ) :( بعثت أنا والساعة كهاتين ويشير بأصبعيه يمدهما ) أخرجاه في الصحيحين من حديث سهل بن سعد
( ق ) عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه سلم :( بعثت أنا والساعة كهاتين كفضل إحداهما على الأخرى، وضم السبابة إلى الوسطى ) وفي رواية ( بعثت في نفس الساعة فسبقتها كفضل هذه على الأخرى ) قال ابن عباس : كان مبعث النبي ( ﷺ ) من أشراط الساعة ولما مر جبريل بأهل السموات مبعوثاً إلى النبي ( ﷺ ) قالوا : الله أكبر قامت الساعة قال قوم : المراد بالأمر هنا عقوبة المكذبين وهو العذاب بالقتل بالسيف وذلك أن النضر بن الحرث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.
فاستعجل العذاب فنزلت هذه الآية، وقلت النضر يوم بدر صبراً ) سبحانه وتعالى عما يشركون ( يعني تنزه الله وتعاظم بالأوصاف الحميدة عما يصفه به المشركون.
قوله سبحانه وتعالى :( ينزل الملائكة والروح ( يعني بالوحي ) من أمره ( وإنما سمي الأمر روحاً لأنه تحيا القلوب من موت الجهالات وقال عطاء : بالنبوة.
وقال قتادة : بالرحمة.
وقيل : الروح هون جبريل والباء بمعنى مع يعني ينزل مع الروح وهون جبريل ) على من يشاء من عباده ( يعني على من يصطفيه من عباده للنبوة، والرسالة وتبليغ الوحي إلى الخلق ) أن أنذروا ( يعني بأن اعلموا ) أنه لا إله إلا أنا فاتقون ( أي فخافون.
وقيل : معناه مروا بقول لا إله إلا الله منذرين يعني مخوفين بالقرآن.
النحل :( ٣ - ١٢ ) خلق السماوات والأرض...
" خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون " ( ) خلق السموات والأرض بالحق تعالى عما يشركون ( تقدم تفسيره ) خلق الإنسان من نطفة فاذا هو خصيم مبين ( يعني أنه جدل بالباطل بين الخصومة نزلت في أبيّ بن خلف الجمحي، وكان ينكر البعث فجاء بعظم رميم إلى النبي ( ﷺ ) فقال : تزعم أن الله يحيي هذا بعدما رم فنزلت فيه هذه الآية، ونزل فيه أيضاً قوله تعالى ) قال من يحيي العظام وهي رميم ( " والصحيح أن الآية عامة في كل ما يقع من الخصومة في الدنيا ويوم القيامة، وحملها على العموم أولى، وفيها بيان القدرة وأن الله خلق الإنسان من نطفة قذرة فصار جباراً كثيراً لخصومة، وفيه كشف قبيح ما فعله الكفار من جحدهم نعم الله تعالى مع ظهورها عليهم.
قوله عز وجل ) والأنعام خلقها ( لما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه خلق السموات والأرض، ثم أتبعه بذكر خلق الإنسان، ذكر بعده ما ينتفع به في سائر ضروراته.
ولما كان أعظم ضرورات الإنسان إلى الأكل واللباس اللذين يقوم بهما بدن الإنسان بدأ بذكر الحيوان المنتفع به في ذلك، وهو الأنعام.
فقال تعالى ) والأنعام خلقها ( وهي الإبل والبقر والغنم.
قال الواحدي : تم الكلام عند قوله والأنعام خلقها.
ثم ابتدأ فقال تعالى ) لكم فيها دفء ( قال : ويجوز أيضاً أن يكون تمام الكلام عند قوله لكم