صفحة رقم ٨٨
المنزل على النبي ( ﷺ ) عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأولين وليس هو من الإنزال في شيء لأنهم لم يعتقدوا كونه منزلاً، ولما سألوا المؤمنين على المنزل على النبي ( ﷺ ) لم يتلعثموا، وأطبقوا الجواب على السؤال بيّناً مكشوفاً معقولاً للإنزال فقالوا : خيراً أي أنزل خيراً، وتم الكلام عند قوله خيراً فهو، وقف تام ثم ابتدأ بقوله تعالى ) للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ( يعني الذين أتوا بالأعمال الصالحة الحسنة ثوابها حسنة مضاعفة من الواحد إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وقال الضحاك : هي النصر والفتح.
وقال مجاهد : هي الرزق الحسن.
فعلى هذا يكون معنى الآية للذين أحسنوا ثواب إحسانهم في هذه الدنيا حسنة، وهي النصر والفتح والرزق الحسن، وغير ذلك مما أنعم الله به على عباده في الدنيا، ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى ) ولدار الآخرة خير ( يعني ما لهم في الآخرة مما أعد الله لهم في الجنة خير مما يحصل لهم في الدنيا ) ولنعم دار المتقين ( يعني الجنة وقال الحسن : هي الدنيا لأن أهل التقوى يتزودون منها إلى الآخرة والقول الأول أولى هو قول جمهور المفسرين لأن الله فسر هذه الدار بقوله ) جنَّات عدن ( يعني بساتين إقامة من قولهم : عدنَ بالمكان، أي أقام به ) يدخلونها ( يعني تلك الجنات لا يرحلون عنها ولا يخرجون منها ) تجري من تحتها الأنهار ( يعني تجري الأنهار في هذه الجنات من تحت دور أهلها وقصورهم ومساكنهم ) لهم فيها ( يعني في الجنات ) ما يشاؤون ( يعني ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين مع زيادات غير ذلك، وهذه الحالة لا تحصل لأحد إلا في الجنة لأن قوله فيها ما يشاؤون لا يفيد الحصر، وذلك يدل على أن الإنسان لا يجد كل ما يريد في الدنيا ) كذلك يجزي الله المتقين ( أي هكذا يكون جزاء المتقين، ثم عاد إلى وصف المتقين فقال تعالى ) الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ( يعني مؤمنين طاهرين من الشرك.
قال مجاهد : زاكية أقوالهم وأفعالهم وقيل : إن قوله طيبين كلمة جامعة لكل معنى حسن فيدخل فيه أنهم، أتوا بكل ما أمروا به من فعل الخيرات والطاعات، واجتنبوا كل ما نهوا عنه من المكروهات، والمحرمات مع الأخلاق الحسنة والخصال الحميدة، والمباعدة من الأخلاق المذمومة والخصال المكروهة القبيحة وقيل معناه إن أوقاتهم تكون طيبة سهلة لأنهم يبشرون عند قبض أرواحهم بالرضوان والجنة والكرامة، فيحصل لهم عند ذلك الفرح والسرور والابتهاج، فيسهل عليهم قبض أرواحهم ويطيب لهم الموت على هذه الحالة ) يقولون ( يعني الملائكة لهم ) سلام عليكم ( يعني تسلم عليهم الملائكة أو تبلغهم السلام من الله ) ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( يعني في الدنيا من الأعمال الصالحة.
فإن قلت : كيف الجمع بين قوله تعالى ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون وبين قوله :( ﷺ ) ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته ) أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ؟ قلت : قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله في شرح مسلم.
اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا غيرها إلا بالشرع ومذهب أهل السنة أيضاً أن الله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بل العالم كله ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار كان ذلك عدلاً منه، وإذا أكرمهم ورحمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه ولو نعم الكافرون، وأدخلهم الجنة كان ذلك له ومنه فضلاً، ولكنه سبحانه وتعالى أخبر وخبره صادق أنه لا يفعل هذا