صفحة رقم ٨٩
بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلاً منه.
وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال ويوجبون الأصلح في خبط طويل لهم، تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع.
وفي ظاهر الحديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته.
وأما قوله سبحانه وتعالى :( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( " ) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ( " ونحوها من الآيات التي تدل على أن الأعمال الصالحة يدخل بها الجنة، فلا تعارض بينها، وبين هذا الحديث بل معنى الآيات : أن دخول الجنة بسبب الأعمال والتوفيق للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله تعالى وفضله فيصح أنه لم يدخل الجنة بمجرد العمل وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة، والفضل والمنة والله أعلم بمراده.
النحل :( ٣٣ - ٣٨ ) هل ينظرون إلا...
" هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون " ( قوله تعالى :( هل ينظرون ( يعني هؤلاء الذين أشركوا بالله وجحدوا نبوتك يا محمد ) إلا أن تأتيهم الملائكة ( يعني لقبض أرواحهم ) أو يأتي أمر ربك ( يعني بالعذاب في الدنيا وهو عذاب الاستئصال.
وقيل : المراد به يوم القيامة ) كذلك فعل الذين من قبلهم ( يعني من الكفر والتكذيب ) وما ظلمهم الله ( يعني بتعذيبه إياهم ) ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( يعني باكتسابهم المعاصي، والكفر والأعمال القبيحة الخبيثة، ) فأصابهم سيئات ما عملوا ( يعني فأصابهم عقوبات ما اكتسبوا من الأعمال الخبيثة ) وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( والمعنى ونزل بهم جزاء استهزائهم ) وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ( يعني أن مشركي مكة قالوا هذا على طريق الاستهزاء.
والحاصل أنهم تمسكوا بهذا القول في إنكار النبوة، فقالوا : لو شاء الله منا الإيمان لحصل جئت أو لم تجىء ولو شاء الله منا الكفر لحصل جئت أو لم تجىء.
وإذا كان كذلك فالكل من الله، فلا فائدة في بعثه رسل إلى الأمم والجواب عن هذا أنهم لما قالوا : إن الكل من الله فكانت بعثة الرسل عبثاً كان هذا اعتراضاً على الله تعالى، وهو جار مجرى طلب العلة في أحكام الله، وفي أفعاله وهو باطل لأن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلا اعتراض لأحد عليه في أحكامه وأفعاله، ولا يجوز لأحد أن يقول لو فعلت هذا، ولم لم تفعل هذا كان في حكم الله وسنته في عباده إرسال الرسل إليهم ليأمروهم بعبادة الله تعالى، وينهوهم عن عبادة غيره وأن الهداية والإضلال إليه فمن هداه فهو المهتدي، ومن أضله فهو الضال وهذه سنة الله في عباده أنه يأمر الكل بالإيمان به وينهاهم عن الكفر.
ثم إنه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إلى الإيمان، ويضلّ من يشاء فلا اعتراض لأحد عليه.
ولما كانت سنة الله قديمة ببعثة الرسل إلى الأمم الكافرة المكذبة كان قول هؤلاء لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا جهلاً منهم، لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثه الرسل وهذا الإعتقاد باطل فلا جرم استحقوا عليه الذم والوعيد.
وأما قوله تعالى ) ولا حرمنا من دونه من شيء ( يعني الوصيلة والسائبة والحام.
والمعنى : فلولا أن الله رضيها لنا لغير ذلك ولهدانا إلى غيره ) كذلك فعل الذين من قبلهم ( يعني أن من تقدم هؤلاء من كفار مكة ومن الأمم الماضية كانوا على هذه الطريقة، وهذا الفعل الخبيث فإنكار بعثة الرسل كان قديماً في الأمم الخالية ) فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ( يعني ليس إليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه ) فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ( يعني ليس إليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه ) ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ( يعني كما بعثنا فيكم محمداً ( ﷺ ) ) أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ( يعني أن الرسل كانوا يأمرونهم بأن يعيدوا


الصفحة التالية
Icon