صفحة رقم ٩١
أن يشتمني ويكذبني، وما ينبغي له أن يكذبني أما شتمه إياي فيقول إن لي ولداً، وأما تكذيبه إياي فقوله ليس يعيدني كما بدأني ) وفي رواية ( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني، ولم يكن له ذلك أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون من إعادته وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ) وقوله تعالى ) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا ( يعني أوذوا وعذبوا نزلت في بلال وصهيب وخباب وعابس وجبير وأبي جندل بن سهيل، أخذهم المشركون بمكة فجعلوا يعذبونهم ليرجعوا عن الإسلام إلى الكفر وهم المستضعفون.
فأما بلال فكان أصحابه يخرجونه إلى بطحاء مكة في شدة الحر ويشدونه، ويجعلون على صدره الحجارة وهو يقول أحد أحد فاشتراه منهم أبو بكر الصديق وأعتقه واشترى معه ستة نفر آخرين، وأما صهيب فقال لهم إني رجل كبير إن كنت معكم فلن أنفعكم وإن كنت عليكم فلا أضركم فاشترى نفسه بماله فباعوه منه فمر به أبو بكر الصديق.
فقال : يا صهيب ربح البيع.
وأما باقيهم فأعطونهم بعض ما يريدون، فخلوا عنهم.
وقالت قتادة : هم أصحاب رسول الله ( ﷺ ) ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم حتى لحق طائفة بالحبشة ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة، فهاجروا إليها وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين فآووهم ونصروهم وواسوهم، وهذه الآية تدل على فضل المهاجرين، وفضل الهجرة وفيه دليل على أن الهجرة إذا لم تكن لله خالصة لم يكن لها موقع، وكانت بمنزلة الانتقال من بلد إلى آخر ومنه حديث ( الأعمال بالنيات ) وفيه ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) الحديث أخرجاه في الصحيحين من رواية عمر بن الخطاب وقوله تعالى ) لنبوأنهم في الدنيا حسنة ( يعني لنبوأنهم تبوئة حسنة وهو أنه تعالى أنزلهم المدينة، وجعلها لهم دار هجرة والمعنى لنبوأنهم في الدنيا داراً حسنة أو بلدة حسنة، وهي المدينة روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول له : خذ هذا بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل، ثم يقول هذه الآية.
وقيل : معناه ليحسنن إليهم في الدنيا بأن يفتح لهم مكة، ويمكنهم من أهلها الذين ظلموهم وأخرجوهم منها ثم ينصرهم على العرب قاطبة، وعلى أهل المشرق والمغرب وقيل المراد بالحسنة في الدنيا التوفيق والهداية في الدين ) ولأجر الآخرة أكبر ( يعني أعظم وأفضل وأشرف مما أعطاهم في الدنيا ) لو كانوا يعلمون ( قيل : الضمير يرجع إلى الكفار لأن المؤمنين يعلمون ما لهم في الآخرة، والمعنى لو كان هؤلاء الكفار يعلمون أن أجر الآخرة أكبر مما هم فيه من نعيم الدنيا لرغبوا فيه، وقيل : إنه راجع إلى المهاجرين والمعنى لو كانوا يعلمون ما أعد الله لهم في الآخرة، لزادوا في الجد والاجتهاد والصبر على ما أصابهم من أذى الماكرين ) الذين صبروا ( يعني في الله على ما نالهم، وبذل الأنفس والأموال في سبيل الله ) وعلى ربهم يتوكلون ( يعني في أمورهم كلها قال بعضهم ذكر الله الصبر والتوكيل في هذه الآية، وهما مبدأ السلوك إلى الله تعالى ومنتهاه أما الصبر فهو قهر النفس وحبسها على أعمال البر وسائر الطاعات، واحتمال الأذى من الخلق والصبر عن الشهوات المباحات والمحرمات والصبر على المصائب، وأما التوكل فالانقطاع عن