صفحة رقم ١٨٨
والمعنى أن من يخشى الله ويؤمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم ) وهو السميع العليم ( أي يعلم ما يعمل العباد من الطاعة والمعصية فيثيبهم أو يعاقبهم أو يعفو.
قوله تعالى ) ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ( أي له ثوابه وهذا بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق فإن الكريم إذا وعد وفى والجهاد هو الصبر على الأعداء والشدة وقد يكون في الحرب وقد يكون على مخالفة النفس ) إن الله لغني عن العالمين ( أي عن أعمالهم وعبادتهم وفيه بشارة وتخويف أما البشارة فلأنه إذا كان غنياً عن الأشياء فلو أعطي جميع ما خلقه لعبد من عبيده لا شيء عليه لاستغنائه عنه.
وهذا يوجب الرجاء التام وأما التخويف فلأن الله إذا كان غنياً عن العالمين فلو أهلكهم بعذابه فلا شيء عليه لاستغنائه عنهم ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ( أي لنطلبنها حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل والتكفير إذهاب السيئة بالحسنة ) ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ( أي بأحسن أعمالهم وهو الطاعة وقيل يعطيهم أكثر مما عملوا.
قوله عز وجل ) ووصينا الإنسان بوالديه حسناً ( معناه براً بهما وعطفاً عليهم والمعنى ووصينا الإنسان بوالديه أن يفعل بهما ما يحسن نزلت هذه الآية والتي في سورة لقمان والأحقاف في سعد بن أبي وقاص.
وقال ابن إسحاق : سعد بن مالك الزهري وأمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية بن عبد شمس لما أسلم وكان من السابقين الأولين وكان باراً بأبيه.
قالت له أمه : ما هذا الذي أحدثت والله ما آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر ويقال يا قاتل أمه ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل فأصبحت وقد جهدت ثم مكثت كذلك يوماً آخر وليلة فجاءها فقال : يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني فكلي إن شئت وإن شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية وأمره بالبر والإحسان إليهما وأن لا يطيعهما في الشرك فذلك قوله تعالى ) وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ( وفي الحديث ( لا طاعة لمخلوق في معصية الله ) ثم أوعد بالمصير إليه فقال ) إلي مرجعكم فأنبئكم ( أي فأخبركم ) بما كنتم تعملون ( أي بصالح أعمالكم وسيئاتها أي فأجازيكم عليها.
( بسم الله الرحمن الرحيم )
العنكبوت :( ٩ - ١٨ ) والذين آمنوا وعملوا...
" والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين " ( ) والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين ( أي في زمرة الصالحين وهم الأنبياء والأولياء وقيل في مدخل الصالحين وهو الجنة.
قوله تعالى ) ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي ( يعني أصابه بلاء من الناس افتتن ) في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ( أي جعل أذى الناس