صفحة رقم ١٨٩
وعذابهم كعذاب الله في الآخرة والمعنى أنه جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه وهو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين وكفر ) ولئن جاء نصر من ربك ( أي فتح ودولة للمؤمنين ) ليقولن ( أي هؤلاء المنافقون للمؤمنين ) إنا كنا معكم ( أي على عدوكم وكنا مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا فأكذبهم الله تعالى فقال ) أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ( أي من الإيمان والنفاق ) وليعلمن الله الذين آمنوا ( أي صدقوا فثبتوا على الإيمان والإسلام عند البلاء.
) وليعلمن المنافقين ( أي بترك الإسلام عند البلاء قيل نزلت هذه الآية في أناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتتنوا.
وقال ابن عباس : نزلت في الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر وهم الذين نزلت فيهم ) الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( " وقيل هذه الآيات العشر من أول السورة إلى ها هنا مدنية وباقي السورة مكية ) وقال الذين كفروا ( يعني من أهل مكة قيل قاله أبو سفيان ) للذين آمنوا ( أي من قريش ) اتبعوا سبيلنا ( يعني ديننا وملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم فذلك قوله ) ولنحمل خطاياكم ( أي أوزاركم والمعنى إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم فأكذبهم الله عز وجل بقوله ) وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء إنهم لكاذبون ( في قولهم نحمل خطاياكم ) وليحملن أثقالهم ( أي أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم ) وأثقالاً مع أثقالهم ( أي أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزار أنفسهم.
فإن قلت قد قال أولاً وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء وقال ها هنا وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم فكيف الجمع بينهما.
قلت : معناه إنهم لا يرفعون عنهم خطيئة بل كل واحد يحمل خطيئة نفسه ورؤساء الضلال يحملون أوزارهم ويحملون أوزاراً بسبب إضلال غيرهم فهو كقوله ( ﷺ ) :( من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) رواه مسلم ) وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون ( أي سؤال توبيخ وتقريع لأنه تعالى عالم بأعمالهم وافترائهم.
قوله تعالى ) ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث ( أي فأقام ) فيهم ( يدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده ) ألف سنة إلا خمسين عاماً ( فإن قلت فما فائدة هذا الاستثناء وهلا قال تسعمائة وخمسين سنة قلت فيه فائدتان إحداهما : أن الاستثناء يدل على التحقيق