صفحة رقم ١٩٠
وتركه قد يظن به التقريب فهو كقول القائل عاش فلان مائة سنة فقد يتوهم السائل أنه يقول مائة سنة تقريباً لا تحقيقاً فإن قال مائة سنة إلا شهراً أو إلا سنة زال ذلك التوهم وفهم منه التحقيق.
الفائدة الثانية : هي لبيان أن نوحاً صبر على أذى قومه صبراً كثيراً وأعلى مراتب العدد ألف سنة.
وكان المراد التكثير فلذلك أتى بعقد الألف لأنه أعظم وأفخم هذه تسلية للنبي ( ﷺ ) حيث أعلم أن الأنبياء قد ابتلوا قبله وأن نوحاً لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم فصبر في الدعاء ولم يؤمن من قومه إلا قليل فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة من آمن بك.
قال ابن عباس : بعث نوح لأربعين سنة وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاماً وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس فكان عمره ألفاً وخمسين عاماً.
وقيل في عمره غير ذلك.
قوله تعالى ) فأخذهم الطوفان ( أي فأغرقهم ) وهم ظالمون ( قال ابن عباس مشركون ) فأنجيناهم وأصحاب السفينة ( يعني من الغرق ) وجعلناهم ( يعني السفينة ) آية ( أي عبرة ) للعالمين ( قيل إنها بقيت على الجودي مدة مديدة وقيل جعلنا عقوبتهم بالغرق عبرة.
قوله تعالى ) وإبراهيم ( أي وأرسلنا إبراهيم ) إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ( أي أطيعوا الله وخافوه ) ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ( أي ما هو خير لكم مما هو شر لكم ولكنكم لا تعلمون ) إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً ( أي تقولون كذباً وقيل تصنعون أصناماً بأيديكم وتسمونها آلهة ) إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً ( أي لا يقدرون أن يرزقوكم ) فابتغوا ( أي فاطلبوا ) عند الله الرزق ( فإنه القادر على ذلك ) واعبدوه ( أي وحدوه ) واشكروا له ( لأنه المنعم عليكم الرزق ) إليه ترجعون ( أي في الآخرة ) وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم ( أي مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم فأهلكهم الله ) وما على الرسول إلا البلاغ المبين (.
العنكبوت :( ١٩ - ٢٩ ) أو لم يروا...
" أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين " ( قوله تعالى :( أولم يروا ( قيل هذه الآيات إلى قوله فما كان جواب قومه يحتمل أن تكون من تمام قول إبراهيم لقومه وقيل إنها وقعت معترضة في قصة إبراهيم وهي في تذكير أهل مكة وتحذيرهم ومعنى أو لم يروا أو لم يعلموا ) كيف يبدىء الله الخلق ( أي يخلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ) ثم يعيده ( أي في الآخرة عند البعث ) إن ذلك على الله يسير ( أي الخلق الأول والخلق الثاني ) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ( أي انظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم ) ثم الله ينشىء النشأة الآخرة ( أي ثم إن الله الذي خلقهم ينشئهم نشأة ثانية بعد الموت والمعنى فكما لم يتعذر عليه إحداثهم مبدئاً كذلك لا يتعذر عليه إنشاؤهم معيداً بعد الموت ثانياً ) إن الله على كل شيء قدير ( أي من البداءة والإعادة ) يعذب من يشاء ( عدلاً منه ) ويرحم من يشاء ( تفضلاً ) وإليه تقلبون ( أي تردون ) وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ( قيل معناه


الصفحة التالية
Icon