صفحة رقم ٨١
الصلاة فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم، ودخلوا المساجد فقال ابن عمر فيهم نزلت هذه الآية ) رجال لا تلهيهم تجارة، ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ( ) وإيتاء الزكاة ( يعني المفروضة قال ابن عباس إذا حضر، وقت أداء الزكاة لا يحبسونها ) يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ( يعني أن هؤلاء الرجال، وإن بالغوا في ذكر الله والطاعات فإنهم مع ذلك وجلون خائفون لعلهم بأنهم ما عبدوا الله حق عبادته.
قيل : إن القلوب تضطرب من الهول والفزع وتشخص الأبصار.
وقيل : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشك إلى اليقين وترفع عن الأبصار الأغطية.
وقيل : تتقلب القلوب بين الخوف والرجاء فتخشى الهلاك وتطمع في النجاة، وتتقلب الأبصار من هول ذلك اليوم، من أي ناحية يؤخذ بهم أمن ذات اليمين، أم من ذات الشمال ومن أي يؤتون كتبهم أمن اليمين أم من قبل الشمال ؟ وقيل : يتقلب القلب في الجوف، فيرفع إلى الحنجرة فلا ينزل ولا يخرج ويتقلب البصر فيشخص من هول الأمر وشدته ) ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ( يعني أنهم اشتغلوا بذكر الله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا والمراد بالأحسن الحسنات كلها وهي الطاعات فرضها ونفلها، وذكر الأحسن تنبيهاً على أنه لا يجازيهم على مساوىء أعمالهم، بل يغفرها لهم وقيل : إنه سبحانه وتعالى يجزيهم جزاء أحسن من أعالمهم، على الواحد من عشرة إلى سبعمائة ضعف ) ويزيدهم من فضله ( يعني أنه سبحانه وتعالى يجزيهم بأحسن أعمالهم ولا يقتصر على ذلك بل يزيدهم من فضله ) والله يرزق من يشاء بغير حساب ( فيه تنبيه على كمال قدرته وكمال جوده وسعة إحسانه وفضله.
قوله تعالى :( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة ( لما ضرب مثلاً لحال المؤمن وأنه في الدنيا والآخرة في نور، وأنه فائز بالنعيم المقيم، أتبعه بضرب مثل لأعمال الكفار، وشبهه بالسراب وهو شبه ماء يرى نصف النهار عند شدة الحر في البراري يظنه من رآه ماء، فإذا قرب منه لم ير شيئاً.
والقيعة القاع وهو المنبسط من الأرض وفيه يكون السراب ) يحسبه ( أي يتوهمه ) الظمآن ( أي العطشان ) ماء حتى إذا جاء ( أي جاء ما قدر أنه ماء وقيل : جاء إلى موضع السراب ) لم يجده شيئاً ( أي لم يجده على ما قدره وظنه ووجه التشبيه أن الذي يأتي به الكافر من أعمال البر، يعتقد أنه له ثواباً عند الله وليس كذلك فإذا وافى عرصات القيامة لم يجد الثواب الذي كان يظنه، بل وجد العقاب العظيم والعذاب الأليم فعظمت حسرته، وتناهى غمه فشبه حاله بحال الظمآن الذي اشتدت


الصفحة التالية
Icon