صفحة رقم ٨٤
من نطفة وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل فيه الملائكة والجن، لأنا لا نشاهدهم وقيل : إن أصل جميع الخلق من الماء وذلك أن الله خلق ماء فجعل بعضه ريحاً ونوراً فخلق منه الملائكة وجعل بعضه ناراً فخلق منه الجن، وجعل بعضه طيناً فخلق منه آدم ) فمنهم من يمشي على بطنه ( أي كالحيات والحيتان والديدان ونحو ذلك ) ومنهم من يمشي على رجلين ( يعني مثل بني آدم والطير ) ومنهم من يمشي على أربع ( يعني كالبهائم والسباع.
فإن قلت كيف قال : خلق كل دابة من ماء مع أن كثيراً من الحيوانات يتولد من غير نطفة.
قلت ذلك المخلق من غير نطفة، لا بد أن يتكون من شيء، وذلك الشيء أصله من الماء فكان من الماء.
فإن قلت : فمنهم من يمشي ضمير العقلاء، فلم يستعمل في غير العقلاء.
قلت ذكر الله تعالى ما لا يعقل مع من يعقل لأن جعل الشريف أصلاً، والخسيس تبعاً أولى.
فإن قلت : لم قدم ما يمشي على بطنه على غيره من المخلوقات.
قلت قدم الأعجب، والأعرف في القدرة وهو الماشي بغير آلة المشي، وهي الأرجل والقوائم ثم ذكر ما يمشي على رجلين ثم ما يمشي على أربع.
فإن قلت : لم اقتصر على ذكر الأربع وفي الحيوانات ما يمشي على أكثر من أربع، كالعناكب والعقارب والرتيلا وما له أربع وأربعون رجلاً ونحو ذلك.
قلت هذا القسم كالنادر فكان ملحقاً بالأغلب وقيل : إن هذه الحيوانات اعتمادها على أربع في المشي والباقي تبع لها ) يخلق الله ما يشاء ( أي مما لا يعقل ولا يعلم ) إن الله على كل شيء قدير ( أي هو القادر على الكل العالم بالكل المطلع على الكل، يخلق ما يشاء كما يشاء لا يمنعه مانع ولا دافع.
النور :( ٤٦ - ٥٥ ) لقد أنزلنا آيات...
" لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " ( ) لقد أنزلنا آيات مبينات ( يعني القرآن هو المبين للهدى والأحكام والحلال والحرام ) والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( يعني إلى دين الإسلام الذي هو دين الله وطريقه إلى رضاه وجنته.
قوله تعالى ) ويقولون ( يعني المنافقين ) آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ( أي يقولونه : بألسنتهم من غير اعتقاد ) ثم يتولى فريق منهم ( أي يعرض على طاعة الله ورسوله ) من بعد ذلك ( أي من بعد قولهم آمناً، ويدعو إلى غير حكم الله قال الله تعالى ) وما أولئك بالمؤمنين ( نزلت هذه الآية في بشر المنافق، كان بينه وبين يهودي خصومة في أرض، فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد ( ﷺ ) وقال المنافق بل نتحاكم إلى كعب بن الأشرف فإن محمداً يحيف فأنزل الله هذه الآية ) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ( أي الرسول يحكم بحكم الله بينهم ) إذا فريق منهم معرضون ( يعني عن الحكم وقيل عن الإجابة ) وإن لم يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ( أي مطيعين منقادين لحكمه أي إذا كان الحكم لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم أنه، كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضاً ) في قلوبهم مرض ( أي كفر ونفاق ) أم ارتابوا ( أي شكوا وهذا استفهام ذم وتوبيخ، والمعنى هم كذلك ) أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ( أي بظلم


الصفحة التالية
Icon