صفحة رقم ١٥٢
) والنبوة ورزقناهم من الطيبات ( أي الحلالات وهو ما وسع عليهم في الدنيا وأورثهم أموال قوم فرعون وديارهم وأنزل عليهم المن والسلوى ) وفضلناهم على العالمين ( أي على عالمي زمانهم، قال ابن عباس : لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله ولا أحب إليه منهم ) وآتيناهم بينات من الأمر ( أي بيان الحلال والحرام وقيل العلم ببعث محمد ( ﷺ ) وما بين لهم من أمره ) فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ( معناه التعجب من حالهم وذلك لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الاختلاف وهنا صار مجيء العلم سبباً لحصول الاختلاف وذلك أنه لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم وإنما كان مقصودهم منه طلب الرياسة والتقدم ثم إنهم لما علموا عاندوا وأظهروا النزاع والحسد والاختلاف ) إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (.
الجاثية :( ١٨ - ٢٣ ) ثم جعلناك على...
" ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون وخلق الله السماوات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون " ( ) ثم جعلناك ( يا محمد ) على شريعة ( أي على طريقة ومنهاج وسنة بعد موسى ) من الأمر ( أي من الدين ) فاتبعها ( أي اتبع شريعتك الثابتة ) ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ( يعني مراد الكافرين وذلك أنهم كانوا يقولون له أرجع إلى دين آبائك فإنهم كانوا أفضل منك قال الله تعالى :( إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً ( أي لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئاً إن اتبعت أهواءهم ) وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض ( يعني إن الظالمين يتولى بعضهم بعضاً في الدنيا ولأولى لهم في الآخرة ) والله ولي المتقين ( أي هو ناصرهم في الدنيا ووليهم في الآخرة ) هذا ( يعني القرآن ) بصائر للناس ( أي معالم للناس في الحدود والأحكام يبصرون به ) وهدى ورحمة لقوم يوقنون أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( أي اكتسبوا المعاصي والكفر ) أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ( نزلت في نفر من مشركي مكة قالوا للمؤمنين لئن كان ما تقولون حقاً لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا ) سواء محياهم ومماتهم ( معناه أحسبوا أن حياة الكافرين ومماتهم كحياة المؤمنين وموتهم سواء كلا والمعنى أن المؤمن مؤمن في محياه ومماته في الدنيا والآخرة والكافر كافر في محياه ومماته في الدنيا والآخرة وشتان ما بين الحالين في الحال والمآل ) ساء ما يحكمون ( أي بئس ما يقضون قال مسروق قال لي رجل من أهل مكة هذا مقام أخيك تميم الداري ولقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو قرب أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد ويبكي ) أم حسب الذين اجترحوا السيئات ( الآية ) وخلق ( الله السموات والأرض بالحق أي بالعدل ) ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ( ومعنى الآية أن المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل والرحمة ذلك لا يتم إلا في القيامة ليحصل التفاوت بين المحقين والمبطلين في الدرجات والدركات.
قوله عز وجل :( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ( قال ابن عباس :