صفحة رقم ٢٦١
إظهار ذلك وعظيم بره وفضله العظيم لديه ويكون قوله تعالى : قاب قوسين أو أدنى، هنا عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة والإشراف على الحقيقة من نبينا ( ﷺ ) ومن الله تعالى إجابة الرغبة وإبانة المنزلة هذا آخر كلام القاضي عياض.
قال الشيخ محيي الدين : وأما صاحب التحرير فإنه اختار إثبات الرؤية.
قال : والحجج في المسألة وإن كانت كثيرة ولكن لا تتمسك إلا بالأقوى منها وهو حديث ابن عباس :( أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد ( ﷺ ) وعليهم أجمعين ) وعن عكرمة قال : سئل ابن عباس هل رأى محمد ( ﷺ ) ربه ؟ قال : نعم.
وقد روي بإسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنس قال : رأى محمد ربه عز وجل وكان الحسن يحلف لقد رأى محمد ( ﷺ ) ربه عز وجل.
والأصل في المسألة حديث ابن عباس حبر هذه الأمة وعالمها والمرجوع إليه في المعضلات وقد راجعه ابن عمر في هذه المسألة وراسله هل رأى محمد ( ﷺ ) ربه عز وجل فأخبره أنه رآه ولا يقدح في هذا حديث عائشة لأن عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي ( ﷺ ) يقول : لم أر ربي وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى ) وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً } " ولقوله ) لا تدركه الأبصار } " والصحابي إذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة وإذا قد صحت الروايات عن ابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بإثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها لأنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما يتلقى بالسمع ولا يتسجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس ثم إن ابن عباس أثبت ما نفاه غيره والمثبت مقدم على النفي هذا كلام صاحب التحرير في إثبات الرؤية.
قال الشيخ محيي الدين فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله ( ﷺ ) رأى ربه عز وجل بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله ( ﷺ ) هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه ثم إن عائشة لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله ( ﷺ ) ولو كان معها حديث لذكرته وإنما اعتمدت على الاستنباط من الآيات وسنوضح الجواب عنها ؟ فنقول : أما احتجاج عائشة رضي الله تعالى عنها بقوله تعالى :( لا تدركه الأبصار } " فجوابه ظاهر، فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة وهذا الجواب في نهاية الحسن مع اختصاره.
وأما احتجاجها بقوله تعالى :( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً } " الآية، فالجواب عنه من أوجه : أحدها أنه لا يلزم مع الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام، الوجه الثاني : أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة.
الوجه الثالث : ما قاله بعض العلماء إن المراد بالوحي الكلام من غير واسطة وهذا القول وإن كان محتملاً لكن الجمهور.
على أن المراد بالوحي هنا إلهام والرؤية في المنام وكلاهما يسمى وحياً وأما قوله تعالى :( أو من وراء حجاب } " فقال الواحدي وغيره معناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه سبحانه من حديث لا يرونه وليس المراد أن هناك حجاباً يفصل موضعاً عن موضع ويدل على تحديد المحجوب فهو بمنزلة ما يسمع من وراء حجاب حيث لم ير المتكلم وقول عائشة في أول الحديث ( لقد قف شعري ) فمعناه قام شعري من


الصفحة التالية
Icon