صفحة رقم ٧٠
مطيع يكال له كيلا ويوزن له وزنا إلا الصابرين فإنه لا يحثي وروى أنه يؤتي بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صبا بغي رحساب حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن أجسادهم تقرض بالمقاريض لما يذهب به أهل البلاء من الفضل )
الزمر :( ١١ - ١٦ ) قل إني أمرت...
" قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون " ( قوله عز وجل :( قل ( يا محمد ) إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ( أي مخلصاً له التوحيد أي لا أشرك به شيئاً ) وأمرت لأن أكون أول المسلمين ( أي من هذه الأمة قيل أمره أولاً بالإخلاص وهو من عمل القلب ثم أمره ثانياً بعمل الجوارح لأن شرائع الله تعالى لا تستفاد إلا من الرسول ( ﷺ ) وهو المبلغ فكان هو أول الناس شروعاً فيها فخص الله سبحانه وتعالى رسوله ( ﷺ ) بهذا الأمر لينبه على أن غيره أحق بذلك فهو كالترغيب لغيره ) قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ( وذلك أن كفار قريش قالوا للنبي ( ﷺ ) ما حملك على هذا الذي أتيتنا به ألا تنظر إلى ملة أبيك وجدك وقومك فتأخذ بها فأنزل الله تعالى هذه الآيات ومعنى الآية زجر الغير عن المعاصي لأنه مع جلالة قدره وشرف طهارته ونزاهته ومنصب نبوته إذا كان خائفاً حذراً من المعاصي فغيره أولى بذلك ) قل الله أعبد مخلصاً له ديني ( فإن قلت ما معنى التكرار في قوله ) قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين ( وفي قوله ) قل الله أعبد مخلصاً له ديني (.
قلت هذا ليس بتكرار لأن الأول الإخبار بأنه مأمور من جهة الله تعالى بالإتيان بالعبادة والإخلاص، والثاني أنه إخبار بأنه أمر أن يخص الله تعالى وحده بالعبادة ولا يعبد أحداً غيره مخلصاً له دينه، لأن قوله ) أمرت أن أعبد الله ( لا يفيد الحصر وقوله :( الله أعبد ( يفيد الحضر والمعنى الله أعبد ولا أعبد أحداً غيره ثم أتبعه بقوله ) فاعبدوا ما شئتم من دونه ( ليس أمراً بل المراد منه الزجر والتهديد والتوبيخ ثم بين كمال الزجر بقوله ) قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم ( يعني أزواجهم وخدمهم ) يوم القيامة ( قال ابن عباس : وذلك أن الله تعالى جعل لكل إنسان منزلاً وأهلاً في الجنة فمن عمل بطاعة الله تعالى كان ذلك المنزل والأهل ومن عمل بمعصية الله تعالى دخل النار وكان ذلك المنزل والأهل لغيره ممن عمل بطاعة الله تعالى فخسر نفسه وأهله ومنزله وقيل خسران النفس بدخول النار وخسران الأهل بأن يفرق بينه وبين أهله ) ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ( أي أطباق وسرادقات ) ومن تحتهم ظلل ( أي فراش ومهاد وقيل أحاطت النار بهم من جميع الجهات والجوانب.
فإن قلت الظلة ما فوق الإنسان فكيف سمي ما تحته بالظلة، قلت فيه وجوه الأول أنه من باب إطلاق اسم أحد الضدين على الآخر.
الثاني أن الذي تحته من النار يكون ظلة لآخر تحته في النار لأنها دركات.
الثالث أن الظلة التحتانية لما كانت مشابهة