صفحة رقم ٧٢
الباقي في الأفق أي في ناحية المشرق أو المغرب.
قوله تعالى :( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ( أي أدخل ذلك الماء ) ينابيع في الأرض ( أي عيوناً وركايا ومسالك ومجاري في الأرض كالعروق في الجسد قال الشعبي كل ماء في الأرض فمن السماء نزل ) ثم يخرج به ( أي بالماء ) زرعاً مختلفاً ألوانه ( أي مثل أصفر وأخضر وأحمر وأبيض وقيل أصنافه مثل البر والشعير وسائر أنواع الحبوب ) ثم يهيج ( أي ييبس ) فتراه ( أي بعد خضرته ونضرته ) مصفراً ثم يجعله حطاماً ( أي فتاتاً متكسراً ) إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب (
الزمر :( ٢٢ - ٢٣ ) أفمن شرح الله...
" أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد " ( ) أَفمن شرح الله صدره ( أي وسعه ) للإسلام ( وقبول الحق كمن طبع الله تعالى على قلبه فلم يهتد ) فهو على نور من ربه ( أي على يقين وبيان وهداية.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن مسعود قال ( تلا رسول الله ( ﷺ ) أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه قلنا يا رسول الله كيف انشراح صدره قال إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح قلنا يا رسول الله فما علامات ذلك قال الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والتأهب للموت قبل نزول الموت ) ) فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( القسوة جمودة وصلابة تحصل في القلب.
فإن قلت كيف يقسو القلب عن ذكر الله وهو سبب لحصول النور والهداية ؟
قلت إنهم كلما تلي ذكر الله على الذين يكذبون به قست قلوبهم عن الإيمان به وقيل إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العنصر بعيدة عن قبول الحق فإن سماعها لذكر الله لا يزيدها إلا قسوة، وكدورة كحر الشمس يلين الشمع ويعقد الملح فكذلك القرآن يلين قلوب المؤمنين عن سماعه ولا يزيد الكافرين إلا قسوة قال مالك بن ديار ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله تعالى على قوم إلا نزع منهم الرحمة ) أولئك في ضلال مبين ( قيل : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وفي أبي بن خلف، وقيل : في علي وحمزة وفي أبي لهب وولده وقيل في رسول الله ( ﷺ ) وفي أبي جهل.
قوله عز وجل :( الله نزل أحسن الحديث ( يعني القرآن وكونه أحسن الحديث لوجهين أحدهما من جهة اللفظ والآخر من جهة المعنى، أما الأول فلأن القرآن من أفصح الكلام وأجزله وأبلغه وليس هو من جنس الشعر ولا من جنس الخطب والرسائل بل هو نوع يخالف الكل في أسلوبه، وأما الوجه الثاني وهو كون القرآن من أحسن الحديث لأجل المعنى فلأنه كتاب منزه عن التناقض والاختلاف مشتمل على أخبار الماضين وقصص الأولين وعلى أخبار الغيوب الكثيرة وعلى الوعد والوعيد والجنة والنار ) كتاباً متشابهاً ( أي يشبه بعضه بعضاً في الحسن ويصدق بعضه بعضاً ) مثاني ( أي يثني فيه ذكر الوعد والوعيد والأمر والنهي والأخبار والأحكام ) تقشعر ( أي تضطرب وتشمئز ) منه جلود الذين يخشون ربهم ( والمعنى تأخذهم قشعريرة وهي تغيير يحدث في جلد


الصفحة التالية
Icon