صفحة رقم ١٥٥
تارة بعد تارة وحالاً بعد حال نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى تمام الخلق.
وقيل معناه خلقكم أصنافا مختلفين لا يشبه بعضكم بعضا ةهذا مما يدل على وحدانية الله وسعة قدرته ) ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا ( أي بعضها فوق بعض ) وجعل القمر فيهن منيرا ( يعني في سماء الدنيا وقوله فيهن هو كما يقال أتيت بني تميم وإنما أتى رجلا منهم ) وجعل الشمس سراجا ( يعني مصباحا مضيئة قال عبد الله بن عمرو إن الشمس والقمر وجوههما إلى السموات وضوء الشمس والقمر فيهن جميعا وأقفيتهما إلى الأرض ويروي هذا عن ابن عباس أيضا ) والله أنبتكم من الأرض نباتا ( أراد مبدأ خلق وأصل خلقه من الأرض والناس كلهم من ولده وقوله نباتا اسم جعل في موضع المصدر أي إنباتا وقيل تقديره أنبتكم فنبتم نباتا وفيه دقيقة لطيفة ويه أنه لو قال أنبتكم إنباتا كان المعنى أنبتكم إنباتا عجيبا غريبا ولما قال عجيبا غريبا ولما قال أنبتكم نباتا كان المعنى أنبتكم نباتا عجيبا وهذا الثاني أولى لأن الانبات صفة الله تعالى وصفة الله تعالى غير محسوسة لنا فلا يعرف أن ذلك الانبات إنبات عجيب كامل إلا بواسطة إخبار الله تعالى وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى فكان هذا موافقا لهذا المقام فظهر بهذا أن العدول عن تلك الحقيقة إلى هذا المجاز كان لهذا السر اللطيف )
نوح :( ١٨ - ٢٣ ) ثم يعيدكم فيها...
" ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " ( ) ثم يعيدكم فيها ( أي في الأرض بعد الموت ) ويخرجكم ( أي منها يوم البعث ) إخراجاً ( يعني إخراجاً حقاً لا محالة ) والله جعل لكم الأرض بساطاً ( أي فرشها لكم مبسوطة تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه ) لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً ( أي طرقاً واسعة.
قوله تعالى :( قال نوح رب إنهم عصوني ( أي لم يجيبوا دعوتي ) واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً ( يعني اتبع السفلة والفقراء القادة والرؤساء الذين لم تزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة ) ومكروا مكراً كباراً ( يعني كبيراً عظيماً يقال كبيراً وكباراً بالتشديد والتخفيف والتشديد أشد وأعظم في المبالغة والماكرون هم الرؤساء والقادة ومكرهم احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح عليه الصلاة والسلام وتحريش السفلة على أذاه وصد الناس عن الإيمان به والميل إليه والاستماع منه.
وقيل مكرهم هو قولهم لا تذرن آلهتكم وتعبدوا إله نوح، وقال ابن عباس في مكرهم قالوا قولاً عظيماً.
وقيل افتروا على الله الكذب وكذبوا رسله ) وقالوا ( يعني القادة للأتباع ) لا تذرن آلهتكم ( أي لا تتركن عبادتها ) ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً (