صفحة رقم ١٧٠
إنعامه عليهم وهو تكبيرهم لهذه البشارة العظيمة وسرورهم بها وأما ما يتعلق بمعنى الآية الكريمة والحديث في قوله تعالى ' فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا ' وقوله ( ﷺ ) ' ويشيب الوليد ' ففيه وجهان الأول عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا فعلى هذا هو على ظاهره الثاني أنه في القيامة فعلى هذا هذا يكون ذكر الشيب مجازا لأن القيامة ليس فيها شيب وإنما هو مثل في شدة الأمر وهو له يقال يفي اليوم الشديد يوم تشيب فيه نواصي الأطفال والأصل فيه أن الهموم والأحزان إذا تعاقب على الإنسان أسرع فيه الشيب قال المتنبي :
والهم يخترم الجسيم نحافة
ويشيب ناصية الصبي ويهرم
فلما كان الشيب من لوازم كثرة الهموم والأحزان جعلوه كناية عن الشدة والهول وليس المراد أن هول ذلك اليوم يجعل الولدان شيبا حقيقة لأن الطفل لا تمييز له وقيل يحتمل أن يكون المراد وصف ذلك اليوم بالطول وأن الأطفال يبلغون سن الشيخوخة والشيب ) السماء منفطر به ( وصف اليوم بالشدة أيضا وأن السماء مع عظمها تنفطر به وتتشقق فما ظنك بغيرها من الخلائق وقيل تتشقق لنزول الملائكة وقيل به أي بذلك المكان وقيل الهاء ترجع إلى الرب سبحانه وتعالى أي يأمره وهيبته " ) كان وعد الله مفعولا ( أي كائنا لا محالة فيه ولا خلف ) إن هذه ( أي آيات القرآن ( تذكرة ( أي مواعظ يتذكر بها ) فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ( بالإيمان والطاعة قوله تعالى ) إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ( أي أقل من ثلثي الليل ) ونصفه وثلثه ( أي تقوم نصفه وثلثه ) وطائفة من الذين معك ( يعني المؤمنين وكانوا يقومون معه الليل " ) والله يقدر الليل والنهار ( يعني أن العالم بمقادير الليل والنهار وأجزائهما ساعاتهما هو الله تعالى لا يفوته علم ما يفعلون فيعلم القدر الذي يقومون من الليل والذي ينامون منه ) علم أن لن تحصوه ( يعني أن لن تطيقوه قيل كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر الله به من القيام فقال تعالى ) علم أن لن تحصوه أي لن تطيقوا معرفة ذلك ) فتاب عليكم ( أي فعاد عليكم بالعفو والتخفيف والمعني عفا عنكم ما لم تحيطوا بعلمه ورفع المشقة عنكم " ) فاقررءوا ما تيسر من القرآن ( فيه قولان أحدهما أن المراد بهذه القراءة القراءة في الصلاة وذلك لأن القراءة أحد أجزاء الصلاة فاطلق اسم الجزء على الكل والمعنى فصلوا ما تيسر عليكم وزقال الحسن يعني في صلاة المغرب والعشاء قال قيس بن أبي حازم صليت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد الثانية من البقرة ثم ركع فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال إن الله تعالى يقول فاقرءوا ما تيسر منه وقيل نسخ ذلم التهجد واكتفى بما تيسر ثم نسخ ذلك أيضا بالصلوات الخمس وذلك في حق الأمة وثبت قيام الليل في حقه ( ﷺ ) بقوله تعالى ' ومن الليل فتهجد به نا فلة لك ' القول الثاني أن المراد بقوله فاقرءوا ما تيسر