صفحة رقم ١٩٢
تعالى عنه أنه عمل ليهودي بشيء من شعير فقبض ذلك الشعير فطحن منه ثلثه وأصلحوا منه شيئا يأكلونه فلما فرغ أني مسكين فسأل فأعطوه ذلك ثم عمل الثلث الثاني فلما فرغ أني يتيم فسأل فأعطوه ذلك وطووا يومهم وليلتهم فنزلت هذه الآية وقيل هذه عامة في كل من أطعم المسكين واليتيم والأسير للهخ تعالى وآثر على نفسه ) إنما نطعمكم لوجه الله ( أي لأجل وجه الله تعالى ) لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ( قيل إنهم لم يتكلموا به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم فأثنى به عليهم وقيل قالوا ذاكم منعا للمحتاجين من المكأفاة وقيل قالوا ذلك ليقتدي بهم غيرهم في ذلك وذلك أن الإحسان إلى الغير تارة يكون لأجل الله تعالى لا يراد به غيره فهذا هو الإخلاص وتارة يكون لطلب المكأفاة أو لطلب الجمد من الناس أو لهما وهذان القسمان مردودان لا يقبلهما الله تعالى لأن فيهما شركا ورياء فنفوا ذلك عنهم بقولهم إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا )
الإنسان :( ١٠ - ١٦ ) إنا نخاف من...
" إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا " ( ) إنا نخاف من ربنا يوماً ( يعني أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لا لطلب مكافأتكم ) عبوساً ( وصف ذلك اليوم بالعبوس مجازاً كما يقال نهاره صائم ؟ والمراد أهله والمعنى تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته وقيل وصف اليوم بالعبوس لما فيه من الشدة.
) قمطريراً ( يعني شديداً كريهاً يقبض الوجوه والجباه بالتعبيس، وقيل العبوس الذي لا انبساط فيه، والقمطرير الشديد، وقيل هو أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ) فوقاهم الله شر ذلك اليوم ( أي الذي يخافونه ) ولقاهم نضرة ( أي حسناً في وجوههم ) وسروراً ( أي في قلوبهم ) وجزاهم بما صبروا ( أي على طاعة الله واجتناب معصيته، وقيل على الفقر والجوع مع الوفاء بالنذر والإيثار ) جنة وحريراً ( أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير ) متكئين فيها ( أي في الجنة ) على الأرائك ( جمع أريكة وهي السرر في الحجال ولا تسمى أريكة إلا إذا اجتمعا ) لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ( يعني لا يؤذيهم حر الشمس، ولا برد الزمهرير كما كان يؤذيهم في الدنيا والزمهرير أشد البرد وحكى الزمخشري قولاً أن الزمهرير هو القمر وعن ثعلب أنه في لغة طيىء وأنشد :
وليلة ظلامها قد اعتكر
قطعتها والزمهرير ما زهر
والمعنى أن الجنة ضياء لا يحتاج فيها إلى شمس وقمر ) ودانية عليهم ظلالها ( أي قريبة منهم ظلال أشجارها ) وذللت ( أي سخرت وقربت ) قطوفها ( أي ثمارها ) تذليلاً ( أي يأكلون من ثمارها قياماً وقعوداً ومضطجعين، ويتناولونها كيف شاؤوا وعلى أي حال أرادوا.
) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب ( قيل هي الكيزان التي لا عرى لها كالقدح ونحوه ) كانت قواريرا قواريرا من فضة ( قال أهل التفسير أراد بياض الفضة في صفاء القوارير وهو الزجاج،