صفحة رقم ١٩٦
فالملقيات ذكراً عذراً أو نذراً ( اعلم أن المفسرين ذكروا في هذه الكلمات الخمس وجوهاً :
الأول : أن المراد بأسرها الّرياح ومعنى المرسلات عرفاً الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس، وقيل عرفاً أي كثيراً ) فالعاصفات عصفاً ( يعني الرّياح الشّديدة الهبوب، ) والناشرات نشراً (.
يعني الرياح اللّينة.
وقيل هي الرياح التي أرسلها نشراً بين يدي رحمته، وقيل هي الرّياح التي تنشر السحاب، وتأتي بالمطر فالفارقات فرقاً يعني الرياح التي تفرق السحاب، وتبدده فالملقيات ذكراً يعني أن الرياح إذا أرسلت عاصفة شديدة قلعت الأشجار، وخربت الديار، وغيرت الآثار.
فيحصل بذلك خوف للعباد في القلوب، فيلجؤون إلى الله تعالى ويذكرونه، فصارت تلك الرياح كأنها ألقت الذكر، والمعرفة في القلوب عند هبوبها.
الوجه الثاني : أن المراد بأسرها الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ومعنى والمرسلات عرفاً.
الملائكة الذين أرسلوا بالمعروف من أمر الله، ونهيه وهذا القول رواية عن ابن مسعود فالعاصفات عصفاً يعني الملائكة تعصف في طيرانهم، ونزولهم كعصف الرياح في السرعة، والناشرات نشراً يعني أنهم إذا نزلوا إلى الأرض نشروا أجنحتهم، وقيل هم الذين ينشرون الكتب، ودواوين الأعمال يوم القيامة فالفارقات فرقاً.
قال ابن عباس : يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل، فالملقيات ذكراً يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء، وقيل يجوز أن يكون الذكر هو القرآن خاصة فعلى هذا يكون الملقى هو جبريل وحده، وإنما ذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم.
الوجه الثالث : أن المراد بأسرها آيات القرآن، ومعنى المرسلات عرفاً آيات القرآن المتتابعة في النزول على محمد ( ﷺ ) بكل عرف وخير فالعاصفات عصفاً يعني آيات القرآن تعصف القلوب بذكر الوعيد حتى تجعلها كالعصف وهو النبت المتكسر، والناشرات نشراً يعني آيات القرآن تنشر أنوار الهداية والمعرفة في قلوب المؤمنين.
فالفارقات فرقاً يعني آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل فالملقيات ذكراً يعني آيات القرآن هي الذّكر الحكيم الذي يلقى الإيمان والنور في قلوب المؤمنين.
المرسلات :( ٥ - ٢٣ ) فالملقيات ذكرا
" فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا إنما توعدون لواقع فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت وإذا الجبال نسفت وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون " ( الوجه الرابع : أنه ليس المراد من هذه الكلمات الخمس شيئاً واحداً بعينه فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى :( والمرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً والناشرات نشراً ( " الرياح ويكون المراد بقوله ) فالفارقات فرقاً فالملقيات ذكراً ( الملائكة.
فإن قلت وما المجانسة بين الرياح والملائكة حتى جمع بينهما في القسم قلت الملائكة روحانيون فهم بسبب لطافتهم، وسرعة حركاتهم شابهوا الرياح فحصلت المجانسة بينهما من هذا الوجه فحسن الجمع بينهما في القسم عذراً أو نذراً أي للإعذار والإنذار من الله، وقيل عذراً من الله ونذراً منه إلى خلقه، وهذه كلها أقسام وجواب القسم قوله تعالى :( إن ما توعدون ( أي من أمر الساعة ومجيئها ) لواقع ( أي لكائن نازل لا محالة، وقيل معناه إن ما توعدون به من الخير والشر لواقع بكم.
ثم ذكر متى يقع فقال تعالى :( فإذا النجوم طمست ( أي محي نورها وقيل محقت ) وإذا السماء فرجت ( أي شقت وقيل فتحت ) وإذا الجبال نسفت ( أي قلعت من أماكنها ) وإذا الرسل أقتت ( وقرىء وقتت بالواو ومعناهما وأحد أي جمعت لميقات يوم معلوم، وهو يوم القيامة ليشهدوا على الأمم ) لأي يوم أجلت ( أي أخرت وضرب الأجل لجميعهم كأنه تعالى يعجب لعباده من تعظميم ذلك اليوم، والمعنى جمعت الرسل في ذلك اليوم لتعذيب من


الصفحة التالية
Icon