صفحة رقم ٢٥٩
ألم يعلمك الله يتيماً من الوجود الذي هو بمعنى العلم، والمعنى ألم يجدك يتيماً صغيراً حين مات أبوك، ولم يخلف لك مالاً، ولا مأوى فجعل لك مأوى تأوي إليه وضمك إلى عمك أبي طالب حتى أحسن تربيتك وكفاك المؤنة.
وذلك أن عبد الله مات ورسول الله ( ﷺ ) حمل فكفله جده عبد المطلب، فلما مات عبد المطلب، كفله عمه أبو طالب إلى أن قوي، واشتد وتزوج خديجة، وقيل هو من قولهم درة يتيمة، والمعنى ألم يجدك واحداً في قريش عديم النّظير فآواك إليه وأيدك وشرفك بنبوته واصطفاك برسالته.
) ووجدك ضالا ( أي عما أنت عليه اليوم ) فهدى ( أي فهداك إلى توحيده ونبوته، وقيل وجدك ضالاً عن معالم النّبوة وأحكام الشّريعة، فهداك إليها وقال ابن عباس : إن رسول الله ( ﷺ ) ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير، فرآه أبو جهل منصرفاً من أغنامه، فرده إلى جده عبد المطلب، وقال سعيد بن المسيب : خرج رسول الله ( ﷺ ) مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة مظلمة إذ جاء إبليس فأخذ بزمام ناقته، فعدل به عن الطريق فجاء جبريل عليه السّلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى الحبشة، ورد رسول الله ( ﷺ ) إلى القافلة فمنّ الله عليه بذلك، وقيل وجدك ضالاً نفسك لا تدري من أنت فعرفك نفسك وحالك، وقيل ووجدك بين أهل الضّلال فعصمك من ذلك وهداك إلى الإيمان وإلى إرشادهم، وقيل الضلال هنا بمعنى الحيرة وذلك لأنه كان ( ﷺ ) يخلو في غار حراء في طلب ما يتوجه به إلى ربه حتى هداه الله لدينه، وقال الجنيد : ووجدك متحيراً في بيان ما أنزل الله إليك، فهداك لبيانه فهذا ما قيل في هذه الآية ولا يلتفت إلى قول من قال إنه ( ﷺ ) كان قبل النّبوة على ملة قومه، فهداه الله إلى الإسلام لأن نبينا ( ﷺ )، وكذلك الأنبياء قبله منذ ولدوا نشؤوا على التّوحيد، والإيمان قبل النّبوة وبعدها، وأنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بصفات الله تعالى وتوحيده ويدل على ذلك أن قريشاً لما عابوا النبي ( ﷺ ) ورموه بكل عيب سوى الشّرك وأمر الجاهلية فإنهم لم يجدوا لهم عليه سبيلاً إذ لو كان فيه لما سكتوا عنه ولنقل ذلك فبرأه الله تعالى من جميع ما قالوه فيه وعيروه به.
ويؤكد هذا ما روي في قصة بحير الرّاهب حين استحلف النبي ( ﷺ ) باللاّت والعزى، وذلك حين سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فرأى بحيرا علامة النّبوة فيه وهو صبي فاختبره بذلك فقال النبي ( ﷺ ) : لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئا بغضهما ويؤكد هذا شرح صدره ( ﷺ ) في حال الصغر واستخراج العلقة منه وقول جبريل هذا حظ الشيطان منك وماؤه حكمة وإيمانا وقوله تعالى ) ما ضل صاحبكم وما غوى ( وقال الزمخشري ومن قال كان على أمر قومه أربعين سنة فإن أراد أنه على خلوهم من العلوم والسمعية فنعم وإن أراد أنه كان على دين قومه فمعاذ الله والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوة وبعدها من الكبائر والصغائر