صفحة رقم ٢٩٤
ذلك الطير، فخر ميتاً بين يدي النجاشي قال أمية بن أبي الصلت :
إن آيات ربنا ساطعات
ما يماري فيهن إلا الكفور
حبس الفيل بالمغمس حتى
ظل يعوي كأنه معقور
وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة يستطعمان الناس، وزعم مقاتل بن سليمان أن السبب الذي جرأ أصحاب الفيل، أن فئة من قريش أججوا ناراً حين خرجوا تجاراً إلى أرض النّجاشي، فدنوا من ساحل البحر، وثم بيعة للنَّصارى تسميها قريش الهيكل، فنزلوا فأججوا النّار واشتووا، فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف، فهاجت الريح، فاضطرم الهيكل ناراً فانطلق الصّريخ إلى النّجاشي فأسف غضباً للبيعة، فبعث أبرهة لهدم الكعبة، وكان في مكة يومئذ أبو مسعود الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتو بمكة، وكان رجلاً نبيهاً نبيلاً تستقيم الأمور برأيه، وكان خليلاً لعبد المطلب فقال له عبد المطلب : ماذا عندك فهذا يوم لا يستغنى فيه عن رأيك ؟ فقال أبو مسعود اصعد بنا إلى حراء، فصعد الجبل فقال أبو مسعود لعبد المطلب اعمد إليّ مائة من الإبل، فاجعلها لله وقلدها نعلاً، واجعلها لله ثم أبثثها في الحرم، فلعل بعض السودان يعقر منها شيئاً، فيغضب رب هذا البيت، فيأخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم إلى تلك الإبل، فحملوا عليها، وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال أبو مسعود إن لهذا البيت رباً يمنعه فقد نزل تبع ملك اليمن صحن هذا البيت، وأراد هدمه فمنعه الله وابتلاه، وأظلم عليه ثلاثة أيام، فلما رأى تبع ذلك كساه القباطي البيض، وعظمه ونحر له جزوراً، فانظر نحو البحر، فنظر عبد المطلب فقال : أرى طيراً بيضاء نشأت من شاطئ البحر فقال ارمقها ببصرك أين قرارها قال أراها قد دارت على رؤوسنا، قال : هل تعرفها ؟ قال والله ما أعرفها ما هي بنجدية، ولا بتهامية، ولا عربية، ولا شامية، قال : ما قدرها ؟ قال : أشباه اليعاسيب في مناقيرها حصى، كأنها حصى الخذف قد أقبلت كالليل يتبع بعضها بعضاً أمام كل رفقة طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق، فجاءت حتى إذا حاذت عسكر القوم ركدت فوق رؤوسهم، فلما توافت الرجال كلهم أهالت الطير ما في مناقيرها على من تحتها مكتوب على كل حجر اسم صاحبه، ثم إنها رجعت من حيث جاءت فلما أصبحا انحطا من ذورة الجبل، فمشيا حتى صعدا ربوة، فلم يؤنسا أحداً ثم دنوا فلم يسمعا حساً فقال بات القوم سامرين، فأصبحوا نياماً فلما دنوا من عسكر القوم فإذا هم خامدون وكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى تقع في دماغه، وتخرق الفيل والدّابة ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه، فعمد عبد المطلب، فأخذ فأساً من فؤوسهم، فحفر حتى أعمق في الأرض، فملأه من الذهب الأحمر، والجواهر، وحفر لصاحبه مثله فملاه ثم قال لأبي مسعود اختر إن شئت حفرتي وإن شئت حفرتك، وإن شئت فهما لك معاً فقال أبو مسعود فاختر لي على نفسك، فقال عبد المطلب إني أرى أجود المتاع في حفرتي فهي