صفحة رقم ٣
ولأنهما أرضيان في مقابلة سماءين ) والسماء رفعها ( أي فوق الأرض ) ووضع الميزان ( قيل أراد بالميزان العدل لأنه آلة العدل والمعنى أنه أمر بالعدل يدل عليه قوله ) ألا تطغوا في الميزان ( أي لا تجاوزوا العدل وقيل أراد به الآلة التي يوزن بها للتوصل إلى الإنصاف والانتصاف وأصل الوزن التقدير أن لا تطغوا في الميزان أي لئلا تميلوا وتظلموا وتجاوزوا الحق في الميزان ) وأقيموا الوزن بالقسط ( يعني بالعدل وقيل أقيموا لسان الميزان بالعدل وقيل الإقامة باليد والقسط بالقلب ) ولا تخسروا ( أي لا تنقصوا ) الميزان ( أي لا تطففوا في الكيل والوزن أمر بالتسوية ونهى عن الطغيان الذي هو اعتداء وزيادة وعن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان وكرر لفظ الميزان تشديداً للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه ) والأرض وضعها ( أي خفضها مدحوة على الماء ) للأنام ( يعني للخلق الذين بثهم فيها وهو كل ما ظهر عليها من دابة وقيل للإنس والجن فهي كالمهاد لهم يتصرفون فوقها ) فيها ( يعني في الأرض ) فاكهة ( يعني من أنواع الفاكهة وقيل ما يتفكهون به من النعم التي لا تحصى ) والنخل ذات الأكمام ( يعني الأوعية التي يكون فيها الثمر لأن ثمر النخل يكون في غلاف وهو الطلع ما لم ينشق وكل شيء ستر شيئاً فهو كم وقيل أكمامها ليفها واقتصر على ذكر النخل من بين سائر الشجر لأنه أعظمها وأكثرها بركة.
الرحمن :( ١٢ - ١٥ ) والحب ذو العصف...
" والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار " ( ) والحب ( يعني جميع الحبوب التي يقتات بها كالحنطة والشعير ونحوهما وإنما أخَّر ذكر الحب على سبيل الارتقاء إلى الأعلى لأن الحب أنفع من النخل وأعم وجوداً في الأماكن ) ذو العصف ( قال ابن عباس يعني التبن وعنه أنه ورق الزرع الأخضر إذ قطع رؤوسه ويبس وقيل هو ورق كل شيء يخرج منه الحب يبدو صلاحه ولا ورق وهو العصف ثم يكون سوقاً ثم يحدث الله فيه أكماماً ثم يحدث في الأكمام الحب ) والريحان ( يعني الرزق قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كل ريحان في القرآن فهو رزق وقيل هو الريحان الذي يشم، وقيل : العصف التبن والريحان ثمرته فذكر قوت الناس والأنعام ثم خاطب الجن والإنس فقال تعالى :( فبأي آلاء ربكما تكذبان ( يعني أيها الثقلان يريد هذه الأشياء المذكورة وكرر هذه الآية في هذه الصورة في أحد وثلاثين موضعاً تقريراً للنعمة وتأكيداً في التذكير بها، ثم عدد على الخلق آلاءه وفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها ليفهمهم النعم ويقررهم