صفحة رقم ٣٦
ثم وصفها بقوله ) لعب ( أي باطل لا حاصل له كلعب الصبيان ) ولهو ( أي فرح ساعة ثم ينقضي عن قريب ) وزينة ( أي منظر يتزينون به ) وتفاخر بينكم ( يعني إنكم تشتغلون في حياتكم بما يفتخر به بعضكم على بعض ) وتكاثر في الأموال والأولاد ( أي مباهاة بكثرة الأموال والأولاد وقيل بجمع ما لا يحل له فيتطاول بماله وخدمه وولده على أولياء الله تعالى وأهل طاعته ثم ضرب لهذه الحياة مثلاً فقال تعالى :( كمثل غيث أعجب الكفار ( أي الزراع إنما سمي الزراع كفاراً لسترهم الأرض بالبذر ) نباته ( أي ما نبت بذلك الغيث ) ثم يهيج ( أي ييبس ) فتراه مصفرّاً ( أي بعد خضرته ) ثم يكون حطاماً ( أي يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى ) وفي الآخرة عذاب شديد ( أي لمن كانت حياته بهذه الصفة قال أهل المعاني زهد الله بهذه الآية في العمل للدنيا وهذه صفة حياة الكافرين وحياة من يشتغل باللعب واللهو ورغب في العمل للآخرة بقوله :( ومغفرة من الله ورضوان ( أي لأوليائه وأهل طاعته وقيل عذاب شديد لأعدائه ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه لأن الآخرة إما عذاب وإما جنة ) وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ( أي لمن عمل لها ولم يعمل للآخرة فمن اشتغل في الدنيا بطلب الآخرة في له بلاغ إلى ما هو خير منه وقيل متاع الغرور لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة.
الحديد :( ٢١ - ٢٥ ) سابقوا إلى مغفرة...
" سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز " ( قوله عز وجل :( سابقوا إلى مغفرة من ربكم ( معناه لتكن مفاخرتكم ومكاثرتكم في غير ما أنتم عليه بل احرصوا على أن تكون مسابقتكم في طلب الآخرة والمعنى سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار إلى مغفرة أي إلى ما يوجب المغفرة وهي التوبة من الذنوب وقيل سابقوا إلى ما كلفتم به من الأعمال فتدخل فيه التوبة وغيرها، ) وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ( قيل إن السموات السبع والأرضين السبع لو جعلت صفائح وألزق بعضها ببعض لكان عرض الجنة في قدرها جميعاً وقال ابن عباس إن لكل واحد من المطيعين جنة بهذه السعة وقيل إن الله تعالى شبه عرض الجنة بعرض السموات والأرضين ولا شك أن الطول يكون أزيد من العرض فذكر العرض تنبيهاً على أن طولها أضعاف ذلك وقيل إن هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه ويقع في نفوسهم وأفكارهم وأكثر ما يقع في نفوسهم مقدار السموات والأرض فشبه عرض الجنة بعرض السموات والأرض على ما يعرفه الناس، ) أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ( فيه أعظم رجاء وأقوى أمل لأنه ذكر أن الجنة أعدت لمن آمن بالله ورسله ولم يذكر مع الإيمان شيئاً آخر يدل عليه قوله في سياق الآية ) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( فبين أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله تعالى لا بعمله، ) والله ذو الفضل العظيم (
( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( ﷺ ) ( لن يدخل أحداً منكم الجنة عمله قالوا ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل رحمته ) وقد تقدم الكلام على معنى هذا الحديث والجمع بينه وبين قوله ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون في تفسير سورة النحل.
قوله تعالى :( ما أصاب من مصيبة في الأرض ( يعني عدم المطر وقلة النبات ونقص الثمار، ) ولا في أنفسكم ( يعني الأمراض وفقد الأولاد ) إلا في كتاب ( يعني في اللوح المحفوظ ) من قبل أن نبرأها ( أي من قبل أن نخلق الأرض والأنفس وقال ابن عباس من قبل أن نبرأ المصيبة ) إن ذلك على الله يسير (


الصفحة التالية
Icon