﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَـاتِ مَا رَزَقْنَـاكُمْ ﴾ من مستلذاته أو من حلالاته ﴿ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ﴾ الذي رزقكموها ﴿ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة : ١٧٢] إن صح أنكم تختصونه بالعبادة وتقرون أنه معطي النعم.
ثم بين المحرم فقال ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ﴾ [البقرة : ١٧٣] وهي كل ما فارقه الروح من غير ذكاة مما يذبح وإنما لإثبات المذكور ونفي ما عداه، أي ما حرم عليكم إلا الميتة ﴿ وَالدَّمَ ﴾ يعني السائل لقوله في موضع آخر :﴿ أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا ﴾ [الأنعام : ١٤٥] (الأنعام : ٥٤١).
وقد حلت الميتتان والدمان بالحديث أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد والكبد والطحال ﴿ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ ﴾ [البقرة : ١٧٣] يعني الخنزير بجميع أجزائه، وخص اللحم لأنه المقصود بالأكل.
﴿ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ١٧٣] أي ذبح للأصنام فذكر عليه غير اسم الله، وأصل الإهلال رفع الصوت أي رفع به الصوت للصنم، وذلك قول أهل الجاهلية باسم اللات والعزى.
﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ ﴾ [البقرة : ١٧٣] أي ألجىء بكسر النون : بصري وحمزة وعاصم لالتقاء الساكنين أعني النون والضاد وبضمها غيرهم لضمة الطاء.
﴿ غَيْرَ ﴾ حال أي أكل غير ﴿ بَاغٍ ﴾ للذة وشهوة ﴿ وَلا عَادٍ ﴾ [النحل : ١١٥] متعد مقدار الحاجة.
وقول من قال غير باغ على الإمام ولا عادٍ في سفر حرام ضعيف لأن سفر الطاعة لا يبيح بلا ضرورة، والحبس بالحضر يبيح بلا سفر، ولأن بغية لا يخرج عن الإيمان فلا يستحق الحرمان.
والمضطر يباح له قدر ما يقع به القوام وتبقى معه الحياة دون ما فيه حصول الشبع، لأن الإباحة للاضطرار فتقدر بقدر ما تندفع الضرورة ﴿ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة : ١٧٣] في الأكل ﴿ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ [البقرة : ٢٣٥] للذنوب الكبائر فأنى يؤاخذ بتناول الميتة عند الاضطرار ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ حيث رخص.
ونزل في رؤساء اليهود وتغييرهم نعت
١٤٥
النبي عليه السلام وأخذهم على ذلك الرشا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَـابِ ﴾ [البقرة : ١٧٤] في صفة محمد عليه السلام ﴿ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ [البقرة : ١٧٤] أي عوضاً أو ذا ثمن ﴿ أؤلئك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ﴾ [البقرة : ١٧٤] ملء بطونهم تقول : أكل فلان في بطنه وأكل في بعض بطنه ﴿ إِلا النَّارَ ﴾ [هود : ١٦] لأنه إذا أكل ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه أكل النار.
ومنه قولهم " أكل فلان الدم " إذا أكل الدية التي هي بدل منه قال :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٢
يأكلن كل ليلة إكافاً
أي ثمن إكاف فسماه إكافاً لتلبسه به بكونه ثمناً له.
﴿ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [البقرة : ١٧٤] كلاماً يسرهم ولكن بنحو قوله :﴿ اخْسَـاُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ﴾ [المؤمنون : ١٠٨] (المؤمنون : ٨٠١).
﴿ وَلا يُزَكِّيهِمْ ﴾ [البقرة : ١٧٤] ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم أو لا يثني عليهم ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٤] مؤلم فحرف النفي مع الفعل خبر أولئك وأولئك مع خبره خبر إن والجمل الثلاث معطوفة على خبر إن فقد صار لـ إن أربعة أخبار من الجمل.
﴿ أؤلئك الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَـالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ ﴾ [البقرة : ١٧٥] بكتمان نعت محمد عليه السلام ﴿ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [البقرة : ١٧٥] فأي شيء أصبرهم على عمل يؤدي إلى النار؟ وهذا استفهام معناه التوبيخ.
﴿ ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَـابَ بِالْحَقِّ ﴾ [البقرة : ١٧٦] أي ذلك العذاب بسبب أن الله نزل ما نزل من الكتب بالحق.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا ﴾ [البقرة : ١٧٦] أي أهل الكتاب ﴿ فِى الْكِتَـابِ ﴾ [مريم : ٤١] هو للجنس أي في كتب الله فقالوا في بعضها حق وفي بعضها باطل ﴿ لَفِى شِقَاق ﴾ [البقرة : ١٧٦] خلاف ﴿ بَعِيدٍ ﴾ عن الحق أو كفرهم ذلك بسبب أن الله نزل القرآن بالحق كما يعلمون، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شقاق بعيد عن الهدى.
١٤٦
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٢
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٧