﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا ﴾ [البقرة : ١٧٧] أي ليس البر توليتكم ﴿ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ﴾ [البقرة : ١٧٧] والخطاب لأهل الكتاب لأن قبلة النصارى مشرق بيت المقدس، وقبلة اليهود مغربه، وكل واحد من الفريقين يزعم أن البر التوجه إلى قبلته، فرد عليهم بأن البر ليس فيما أنتم عليه فإنه منسوخ ﴿ وَلَـاكِنَّ الْبِرَّ ﴾ [البقرة : ١٧٧] بر ﴿ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة : ٦٢] أو ذا البر من آمن والقولان على حذف المضاف والأول أجود.
والبر اسم للخير ولكل فعل مرضي.
وقيل : كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة فقيل : ليس البر العظيم الذي يجب أن تذهلوا بشأنه عن سائر صنوف البر أمر القبلة، ولكن البر الذي يجب الاهتمام به بر من آمن وقام بهذه الأعمال.
ليس البر بالنصب على أنه خبر " ليس " واسمه أن تولوا : حمزة وحفص.
ولكن البر : نافع وشامي.
وعن المبرد : لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت ولكن البر وقرىء ولكن البار.
﴿ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾ [التوبة : ٤٤] أي يوم البعث ﴿ وَالْمَلَـائكَةِ وَالْكِتَـابِ ﴾ [البقرة : ١٧٧] أي جنس كتب الله أو القرآن ﴿ وَالنَّبِيِّانَ وَءَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ أي على حب الله أو حب المال أو حب الإيتاء يريد أن يعطيه وهو طيب النفس بإعطائه ﴿ ذَوِى الْقُرْبَى ﴾ [البقرة : ١٧٧] أي القرابة وقدمهم لأنهم أحق.
قال عليه الصلاة والسلام : صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذوي رحمك صدقة وصلة.
﴿ وَالْيَتَـامَى ﴾ والمراد الفقراء من ذوي القربى واليتامى، وإنما أطلق لعدم الإلباس.
﴿ وَالْمَسَـاكِينَ ﴾ المسكين الدائم السكون إلى الناس لأنه لا شيء له كالسكير للدائم السكر ﴿ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾ [الانفال : ٤١] المسافر المنقطع وهو جنس وإن كان مفرداً لفظاً، وجعل ابناً للسبيل لملازمته له أو الضيف ﴿ وَالسَّآئِلِينَ ﴾ المستطعمين ﴿ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ [البقرة : ١٧٧] وفي معاونة
١٤٧
المكاتبين حتى يفكوا رقابهم أو في الأسارى ﴿ وَأَقَامَ الصَّلَواةَ ﴾ [
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٧
البقرة : ١٧٧] المكتوبة ﴿ وَءَاتَى الزكاة ﴾ المفروضة.
قيل : هو تأكيد للأول.
وقيل : المراد بالأول نوافل الصدقات والمبار.
﴿ وَالْمُوفُونَ ﴾ عطف على من آمن ﴿ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَـاهَدُوا ﴾ [البقرة : ١٧٧] الله والناس ﴿ وَالصَّـابِرِينَ ﴾ نصب على المدح والاختصاص إظهاراً لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال.
﴿ فِى الْبَأْسَآءِ ﴾ [البقرة : ١٧٧] الفقر والشدة ﴿ وَالضَّرَّآءِ ﴾ المرض والزمانة ﴿ وَحِينَ الْبَأْسِ ﴾ [البقرة : ١٧٧] وقت القتال ﴿ أؤلئك الَّذِينَ صَدَقُوا ﴾ [البقرة : ١٧٧] أي أهل هذه الصفة هم الذين صدقوا في الدين ﴿ وَأُوالَـائكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة : ١٧٧].
روي أنه كان بين حيين من أحياء العرب دماء في الجاهلية وكان لأحدهما طول على الآخر فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى والاثنين بالواحد فتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين جاء الله بالإسلام فنزل.
﴿ رَّحِيمٌ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ ﴾ أي فرض ﴿ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ﴾ [البقرة : ١٧٨] وهو عبارة عن المساواة وأصله من قص أثره واقتصه إذا اتبعه ومنه القاص لأنه يتبع الآثار والأخبار ﴿ فِي الْقَتْلَى ﴾ [البقرة : ١٧٨] جمع قتيل.
والمعنى فرض عليكم اعتبار المماثلة والمساواة بين القتلى ﴿ الْحُرُّ بِالْحُرِّ ﴾ [البقرة : ١٧٨] مبتدأ وخبر أي الحر مأخوذ أو مقتول بالحر ﴿ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالانثَى بِالانثَى ﴾ [البقرة : ١٧٨] وقال الشافعي رحمه الله : لا يقتل الحر بالعبد لهذا النص وعندنا يجري القصاص بين الحر والعبد بقوله تعالى :﴿ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ﴾ [المائدة : ٤٥] (المائدة : ٥٤).
كما بين الذكر والأنثى وبقوله عليه السلام المسلمون تتكافأ دماؤهم وبأن التفاضل غير معتبر في الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحداً قتلوا به، وبأن تخصيص الحكم بنوع لا ينفيه عن نوع آخر بل يبقى الحكم فيه موقوفاً على ورود دليل آخر وقد ورد كما بينا.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٧


الصفحة التالية
Icon