﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِـامُ رَبِّ أَرِنِى ﴾ [البقرة : ٢٦٠] بصرني ﴿ كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى ﴾ [البقرة : ٢٦٠] موضع كيف نصب بـ " يحيي ﴿ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـاكِن لِّيَطْمَـاـاِنَّ قَلْبِى ﴾ وإنما قال له أو لم تؤمن وقد علم أنه أثبت الناس إيماناً ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة الجليلة للسامعين.
وبلى إيجاب لما بعد النفي معناه بلى آمنت ولكن لأزيد سكوناً وطمأنينة بمضامة علم الضرورة علم الاستدلال، وتظاهر الأدلة أسكن للقلوب وأزيد للبصيرة فعلم الاستدلال يجوز معه التشكيك بخلاف الضروري.
واللام تتعلق بمحذوف تقديره ولكن سألت ذلك أراد طمأنينة القلب ﴿ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ ﴾ [البقرة : ٢٦٠] طاوساً وديكاً وغراباً وحمامة ﴿ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ﴾ [البقرة : ٢٦٠] وبكسر الصاد : حمزة أي أملهن واضممهن إليك ﴿ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ﴾ ثم جزئهن وفرق أجزاءهن على الجبال التي بحضرتك وفي أرضك وكانت أربعة أجبل أو سبعة.
جزأ بضمتين وهمز : أبو بكر
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٠
﴿ ثُمَّ ادْعُهُنَّ ﴾ [البقرة : ٢٦٠] قل لهن تعالين بإذن الله ﴿ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ﴾ [البقرة : ٢٦٠] مصدر في موضع الحال أي ساعيات مسرعات في طيرانهن أو في مشيهن على أرجلهن.
وإنما أمره بضمها إلى نفسه بعد أخذها ليتأملها ويعرف أشكالها وهيئآتها وحلاّها لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء ولا يتوهم أنها غير تلك، وروي أنه أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرق أجزاءها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها وأن يمسك رؤوسها، ثم أمر أن يجعل أجزاءها على الجبال عل كل جبل ربعاً من كل طائر، ثم يصيح بها تعالين بإذن الله تعالى فجعل كل جزء يطير إلى الآخر حتى صارت جثثاً ثم أقبلن فانضممن
٢٠٣
إلى رؤوسهن كل جثة إلى رأسها ﴿ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ [البقرة : ٢٦٠] لا يمتنع عليه ما يريده ﴿ حَكِيمٌ ﴾ فيما يدبر لا يفعل إلا ما فيه الحكمة، ولما برهن على قدرته على الإحياء حث على الإنفاق في سبيل الله، وأعلم أن من أنفق في سبيله فله في نفقته أجر عظيم وهو قادر عليه فقال :﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ٢٦١] لا بد من حذف مضاف أي مثل نفقتهم ﴿ كَمَثَلِ حَبَّةٍ ﴾ [البقرة : ٢٦١] أو مثلهم كمثل حبة ﴿ أَنابَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنابُلَةٍ مِّا ئَةُ حَبَّةٍ ﴾ [البقرة : ٢٦١] المنبت هو الله ولكن الحبة لما كانت سبباً أسند إليها الإنبات كما يسند إلى الأرض وإلى الماء.
ومعنى إنباتها سبع سنابل أن تخرج ساقاً يتشعب منه سبع شعب لكل واحد سنبلة، وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر والممثل به موجود في الدخن والذرة وربما فرخت ساق البرة في الأرض القوية المغلة فيبلغ حبها هذا المبلغ، على أن التمثيل يصح وإن لم يوجد على سبيل الفرض، والتقدير ووضع سنابل موضع سنبلات كوضع قروء موضع أقراء ﴿ وَاللَّهُ يُضَـاعِفُ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [البقرة : ٢٦١] أي يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء لا لكل منفق لتفاوت أحوال المنفقين، أو يزيد على سبعمائة لمن يشاء.
يضعّف : شامي ويضعّف : مكي ﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ [البقرة : ٢٤٧] واسع الفضل والجود ﴿ عَلِيمٌ ﴾
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠٠
بنيات المنفقين.
﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُوا مَنًّا ﴾ [البقرة : ٢٦٢] هو أن يعتد على من أحسن إليه بإحسانه ويريه أنه اصطنعه وأوجب عليه حقاً له وكانوا يقولون إذا صنعتم صنيعة فانسوها ﴿ وَلا أَذًى ﴾ [البقرة : ٢٦٢] هو أن يتطاول عليه بسبب ما أعطاه.
ومعنى " ثم " إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى وأن تركهما خير من نفس الإنفاق كما جعل الاستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقوله ﴿ ثُمَّ اسْتَقَـامُوا ﴾ [فصلت : ٣٠] (فصلت : ٠٣)
٢٠٤
﴿ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٩٩] أي ثواب إنفاقهم ﴿ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ [البقرة : ٦٢] من بخس الأجر ﴿ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة : ٣٨] من فوته، أو لا خوف من العذاب ولا حزن بفوت الثواب.
وإنما قال هنا : لهم أجرهم وفيما بعد فلهم أجرهم لأن الموصول هنا لم يضمن معنى الشرط وضمنه ثمة.


الصفحة التالية
Icon