عربيين.
وإنما قيل نزل الكتاب وأنزل التوراة والإنجيل لأن القرآن نزل منجماً ونزل الكتابان جملة ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ [يوسف : ٦] من قبل القرآن ﴿ هُدًى لِّلنَّاسِ ﴾ [آل عمران : ٤] لقوم موسى وعيسى أو لجميع الناس ﴿ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران : ٤] أي جنس الكتب لأن الكل يفرق بين الحق والباطل، أو الزبور، أو كرر ذكر القرآن بما هو نعت له تفخيماً لشأنه ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَايَـاتِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٤] من كتبه المنزلة وغيرها ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ﴾ [آل عمران : ٤] ذو عقوبة شديدة لا يقدر على مثلها منتقم ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَىْءٌ فِي الارْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ ﴾ [آل عمران : ٥] أي في العالم فعبر عنه بالسماء والأرض أي هو مطلع على كفر من كفر وإيمان من آمن وهو مجازيهم عليه ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الارْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ٦] من الصور المختلفة ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [آل عمران : ٦] في سلطانه ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبيره.
روي أنه لما قدم وفد بني نجران وهم ستون راكباً.
أميرهم العاقب وعمدتهم السيد وأسقفهم وحبرهم أبو حارثة خاصموا في أن عيسى إن لم يكن ولداً الله فمن أبوه؟ فقال عليه السلام : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه؟ قالوا : بلى.
قال : ألم تعلموا أن الله تعالى حي لا يموت وعيسى يموت، وأن ربنا قيم على العباد يحفظهم ويرزقهم وعيسى لا يقدر على ذلك، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وعيسى لا يعلم إلا ما علم، وإنه صور عيسى في الرحم كيف شاء فحملته أمه ووضعته وأرضعته، وكان يأكل ويحدث وربنا منزه عن ذلك كله؟ فانقطعوا فنزل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية.
٢٢١
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ ﴾ [آل عمران : ٧] القرآن ﴿ مِنْهُ ﴾ من الكتاب ﴿ ءَايَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ ﴾ [آل عمران : ٧] أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَـابِ ﴾ [آل عمران : ٧] أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد إليها ﴿ وَأَخَّرَ ﴾ وآيات أخر ﴿ مُتَشَـابِهَـاتٌ ﴾ مشتبهات محتملات.
مثال ذلك ﴿ الرَّحْمَـانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه : ٥] (طه : ٥) فالاستواء يكون بمعنى الجلوس وبمعنى القدرة والاستيلاء، ولا يجوز الأول على الله تعالى بدليل المحكم وهو قوله ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ﴾ [الشورى : ١١] (الشورى : ١١) أو المحكم ما أمر الله به في كل كتاب أنزله نحو قوله :﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ﴾ [الأنعام : ١٥١] (الأنعام : ١٥١) الآيات، ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء : ٢٣] (الأسراء : ٣٢).
الآيات.
والمتشابه ما وراءه أو ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، وما احتمل أوجهاً، أو ما يعلم تأويله وما لا يعلم تأويله، أو الناسخ الذي يعمل به والمنسوخ الذي لا يعمل به.
وإنما لم يكن كل القرآن محكماً لما في المتشابه من الابتلاء به والتمييز بين الثابت على الحق والمتزلزل فيه، ولما في تقادح العلماء وإتعابهم والقرائح في استخراج معانيه ورده إلى المحكم من الفوائد الجليلة والعلوم الجمة ونيل الدرجات عند الله تعالى.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ﴾ [آل عمران : ٧] ميل عن الحق وهم أهل البدع ﴿ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ ﴾ [آل عمران : ٧] فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق ﴿ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ ﴾ [آل عمران : ٧] طلب أن يفتتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم ﴿ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران : ٧] وطلب أن يؤولوه التأويل الذي يشتهونه ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُا إِلا اللَّهُ ﴾ [آل عمران : ٧] أي لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٠