بيت المقدس لا يد لي عليه ولا أستخدمه، وكان هذا النوع من النذر مشروعاً عندهم أو مخلصاً للعبادة يقال " طين حر " أي خالص ﴿ فَتَقَبَّلْ مِنِّي ﴾ [آل عمران : ٣٥] منّي } مدني وأبو عمر، والتقبل : أخذ الشيء على الرضا به ﴿ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا ﴾ الضمير لـ ما في بطني وإنما أنّث على تأويل الحبلة أو النفس أو النسمة ﴿ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَآ أُنثَى ﴾ [آل عمران : ٣٦] أنثى حال من الضمير في وضعتها أي وضعت الحبلة أو النفس أو النسمة أنثى، وإنما قالت هذا القول لأن التحرير لم يكن إلا للغلمان فاعتذرت عما نذرت وتحزنت إلى ربها ولتكلمها بذلك على وجه التحزن والتحسر قال الله
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٨
﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾ [آل عمران : ٣٦] تعظيماً لموضوعها أي والله أعلم بالشيء الذي وضعت وما علق به من عزائم الأمور.
وضعت : شامي وأبو بكر بمعنى ولعل لله فيه سراً وحكمة، وعلى هذا يكون داخلاً في القول.
وعلى الأول يوقف عند قوله أنثى وقوله : والله أعلم بما وضعت ".
ابتداء إخبار من الله تعالى ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ ﴾ [آل عمران : ٣٦] الذي طلبت ﴿ كَالانثَى ﴾ التي وهبت لها واللام فيهما للعهد ﴿ وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ ﴾ [آل عمران : ٣٦] معطوف على إني وضعتها أنثى وما بينهما جملتان معترضتان.
وإنما ذكرت حنة تسميتها مريم لربها لأن مريم في لغتهم العابدة، فأرادت بذلك التقرب والطلب إليه أن يعصمها حتى يكون فعلها مطابقاً لاسمها وأن يصدق فيها ظنها بها، ألا ترى كيف أتبعته طلب الإعاذة لها ولولدها من الشيطان بقوله ﴿ وَإِنِّى ﴾ وإنّي مدني ﴿ أُعِيذُهَا بِكَ ﴾ [آل عمران : ٣٦] أجيرها ﴿ وَذُرِّيَّتَهَا ﴾ أولادها ﴿ مِنَ الشَّيْطَـانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران : ٣٦] الملعون في الحديث ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها.
﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا ﴾ [آل عمران : ٣٧] قبل الله مريم ورضي بها في النذر مكان الذكر ﴿ بِقَبُولٍ حَسَنٍ ﴾ [آل عمران : ٣٧] قيل : القبول اسم ما يقبل به الشيء كالسعوط لما يسعط به وهو اختصاصه لها
٢٣٤
بإقامتها مقام الذكر في النذر ولم تقبل قبلها أنثى في ذلك، أو بأن تسلمها من أمها عقيب الولادة قبل أن تنشأ وتصلح للسدانة.
روي أن حنة لما ولدت مريم لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار أبناء هارون وهم في بيت المقدس كالحجبة في الكعبة فقالت لهم : دونكم هذه النذيرة، فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب قربانهم، وكانت بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم فقال لهم زكريا : أنا أحق بها، عندي أختها.
فقالوا : لا حتى نقترع عليها.
فانطلقوا ـــــ وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر ـــــ فألقوا فيه أقلامهم فارتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فتكفلها.
وقيل : هو مصدر على تقدير حذف المضاف أي فتقبلها بذي قبول حسن أي بأمر ذي قبول حسن وهو الاختصاص
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٢٨


الصفحة التالية
Icon