﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى ما سبق من قصة حنة وزكريا ويحيى ومريم ﴿ مِنْ أَنابَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ [آل عمران : ٤٤] يعني أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي ﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَـامَهُمْ ﴾ [آل عمران : ٤٤] أزلامهم وهي قداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين، أو هي الأقلام التي كانوا يكتبون التوراة بها اختاروها للقرعة تبركاً بها ﴿ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ﴾ [آل عمران : ٤٤] متعلق بمحذوف دل عليه يلقون كأنه قيل ؛ يلقونها ينظرون أيهم يكفل مريم أو ليعلموا أو يقولون ﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ [آل عمران : ٤٤] في شأنها تنافساً في التكفل بها ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَـائكَةُ ﴾ [آل عمران : ٤٥] أي اذكر ﴿ يَـامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ ﴾ [آل عمران : ٤٥] أي بعيسى ﴿ مِنْهُ ﴾ في موضع جر صفة لكلمة ﴿ اسْمُهُ ﴾ مبتدأ وذكر ضمير الكلمة لأن المسمى بها مذكر ﴿ الْمَسِيحُ ﴾ خبره والجملة في موضع جر صفة لـ " كلمة ".
والمسيح لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق وأصله " مشيحاً " بالعبرانية ومعناه المبارك كقوله :﴿ وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ﴾ (مريم : ١٣).
وقيل : سمي مسيحاً لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ، أو لأنه كان يمسح الأرض بالسياحة لا يستوطن مكاناً ﴿ عِيسَى ﴾ بدل من المسيح ﴿ ابْنَ مَرْيَمَ ﴾ [المائدة : ١١٦] خبر مبتدأ محذوف أي هو ابن مريم، ولا يجوز أن يكون صفة لعيسى لأن اسمه عيسى فحسب وليس اسمه عيسى بن مريم.
وإنما قال ابن مريم إعلاماً لها أنه يولد من
٢٣٨
غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه وجيهاً ذا جاه وقدر في الدّنيا بالنبوة والطاعة ﴿ وَالاخِرَةِ ﴾ بعلو الدرجة والشفاعة ﴿ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [آل عمران : ٤٥] برفعه إلى السماء، وقوله وجيهاً حال من كلمة لكونها موصوفة وكذا ومن المقربين أي وثابتاً من المقربين، وكذا ويكلّم النّاس أي ومكلماً الناس في المهد حال من الضمير في يكلم أي ثابتاً في المهد وهو ما يمهد للصبي من مضجعه سمي بالمصدر
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٣٧
﴿ وَكَهْلا ﴾ عطف عليه أي ويكلم الناس طفلاً وكهلاً أي يكلم الناس في هاتين الحالتين كلام الأنبياء من غير تفاوت بين حال الطفولة وحالة الكهولة التي يستحكم فيها العقل ويستنبأ فيها الأنبياء ﴿ وَمِنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [آل عمران : ٤٦] حال أيضاً والتقدير يبشرك به موصوفاً بهذه الصفات.
﴿ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ قَالَ كَذَالِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران : ٤٧] أي إذا قدر تكون شيء كونه من غير تأخير لكنه عبر بقوله كن إخباراً عن سرعة تكون الأشياء بتكوينه ﴿ وَيُعَلِّمُهُ ﴾ مدني وعاصم وموضعه حال معطوفة على وجيهاً.
الباقون : بالنون على أنه كلام مبتدأ الكتاب } أي الكتابة وكان أحسن الناس خطاً في زمانه.
وقيل : كتب الله والحكمة } بيان الحلال والحرام أو الكتاب الخط باليد.
والحكمة : البيان باللسان ﴿ وَالتَّوْرَاـاةَ وَالانجِيلَ * وَرَسُولا ﴾ أي ونجعله رسولاً أو يكون في موضع الحال أي وجيهاً في الدنيا والآخرة ورسولاً ﴿ إِلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنِّى ﴾ بأني ﴿ قَدْ جِئْتُكُم بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [آل عمران : ٤٩] بدلالة تدل على صدقي فيما أدعيه من النبوة ﴿ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم ﴾ [آل عمران : ٤٩] نصب بدل من أني قد جئتكم أو جر بدل من آية أو رفع على هي أني أخلق لكم.
إنّي : نافع على
٢٣٩