عيسى؟ قالوا : لأنه لا أب له قال : فآدم أولى لأنه لا أبوين له.
قالوا : كان يحيي الموتى.
قال : فحزقيل أولى لأن عيسى أحيا أربعة نفر وحزقيل ثمانية آلاف.
فقالوا : كان يبرىء الأكمه والأبرص.
قال : فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سالماً ﴿ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن ﴾ [آل عمران : ٥٩] أي أنشأه بشراً ﴿ فَيَكُونُ ﴾ أي فكان وهو حكاية حال ماضية، و " ثم " لترتيب الخبر على الخبر لا لترتيب المخبر عنه ﴿ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ [آل عمران : ٦٠] خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق ﴿ فَلا تَكُن ﴾ [السجدة : ٢٣] أيها السامع ﴿ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة : ١٤٧] الشاكين.
ويحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم ويكون من باب التهييج لزيادة الثبات لأنه عليه السلام معصوم من الامتراء ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ ﴾ [آل عمران : ٦١] من النصارى ﴿ فِيهِ ﴾ في عيسى ﴿ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ [البقرة : ١٤٥] من البينات الموجبة للعلم وما بمعنى " الذي " ﴿ فَقُلْ تَعَالَوْا ﴾ [آل عمران : ٦١] هلموا والمراد المجيء بالعزم والرأي كما تقول : تعالى نفكر في هذه المسألة ﴿ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ﴾ [آل عمران : ٦١] أي يدع كل منا ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه إلى المباهلة ﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ﴾ [آل عمران : ٦١] ثم نتباهل بأن نقول " بهلة الله على الكاذب منا ومنكم ".
والبهلة بالفتح والضم اللعنة، وبهله الله لعنه وأبعده من رحمته، وأصل الابتهال هذا ثم يستعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعاناً.
روي أنه عليه السلام لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى ننظر.
فقال العاقب.
وكان ذا رأيهم والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل وما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكن، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فودعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد غدا محتضناً للحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمنوا.
فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا
٢٤٣
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٤٢
يبقى على وجه الأرض نصراني فقالوا : يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك فصالحهم النبي على ألفي حلة كل سنة فقال عليه السلام " والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير " وإنما ضم الأبناء والنساء وإن كانت المباهلة مختصة به وبمن يكاذبه لأن ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته إن تمت المباهلة.
وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على قرب مكانهم ومنزلتهم، وفيه دليل واضح على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلّم لأنه لم يرو أحد من موافق أو مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك ﴿ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَـاذِبِينَ ﴾ [آل عمران : ٦١] منا ومنكم في شأن عيسى ونبتهل ونجعل معطوفان على " ندع ".
﴿ إِنَّ هَـاذَآ ﴾ [ص : ٢٣] الذي قص عليك من نبأ عيسى ﴿ لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾ [آل عمران : ٦٢] هو فصل بين اسم " إن " وخبرها، أو مبتدأ والقصص الحق خبره، والجملة خبر " إن " وجاز دخول اللام على الفصل لأنه إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل أجوز لأنه أقرب إلى المبتدأ منه، وأصلها أن تدخل على المبتدأ.
وومن " في ﴿ وَمَا مِنْ إِلَـاهٍ إِلا اللَّهُ ﴾ [آل عمران : ٦٢] بمنزلة البناء على الفتح في " لا إله إلا الله " في إفادة معنى الاستغراق، والمراد الرد على النصارى في تثليثهم ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [آل عمران : ٦٢] في الانتقام ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ في تدبير الأحكام ﴿ فَإِن تَوَلَّوْا ﴾ [المائدة : ٤٩] أعرضوا ولم يقبلوا ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِالْمُفْسِدِينَ ﴾ [آل عمران : ٦٣] وعيد لهم بالعذاب المذكور في قوله :﴿ زِدْنَـاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ ﴾ [النحل : ٨٨] (النحل : ٨٨).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٤٢


الصفحة التالية
Icon