الاستعلاء وفي البقرة بحرف الانتهاء لوجود المعنيين، إذ الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسول، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر.
وقال صاحب اللباب : الخطاب في البقرة للأمة لقوله ﴿ قُولُوا ﴾ فلم يصح إلا " إلى " لأن الكتب منتهية إلى الأنبياء وإلى أمتهم جميعاً، وهنا قال قل وهو خطاب للنبي عليه السلام دون أمته فكان اللائق به على لأن الكتب منزلة عليه لا شركة للأمة فيه، وفيه نظر لقوله تعالى :﴿ ءَامِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [آل عمران : ٧٢] (آل عمران : ٢٧) ﴿ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاسْبَاطِ ﴾ [آل عمران : ٨٤] أولاد يعقوب وكان فيهم أنبياء ﴿ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ ﴾ [آل عمران : ٨٤] كرر في البقرة وما أوتي ولم يكرر هنا لتقدم ذكر الإيتاء حيث قال لما آتيتكم ﴿ مِّن رَّبِّهِمُ ﴾ [محمد : ٣] من عند ربهم ﴿ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ ﴾ [البقرة : ١٣٦] في الإيمان كما فعلت اليهود والنصارى ﴿ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة : ١٣٣] موحدون مخلصون أنفسنا له لا نجعل له شريكاً في عبادتنا ﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الاسْلَـامِ ﴾ [آل عمران : ٨٥] يعني التوحيد وإسلام الوجه لله أو غير دين محمد عليه السلام ﴿ دِينًا ﴾ تمييز ﴿ فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الاخِرَةِ مِنَ الْخَـاسِرِينَ ﴾ [آل عمران : ٨٥] من الذين وقعوا في الخسران ونزل في رهط أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥٢
﴿ كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَـاـنِهِمْ ﴾ [آل عمران : ٨٦] والواو في ﴿ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ ﴾ [آل عمران : ٨٦] للحال و " قد " مضمرة أي كفروا وقد شهدوا أن الرسول أي محمداً حق، أو للعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا ﴿ وَجَآءَهُمُ الْبَيِّنَـاتُ ﴾ [آل عمران : ٨٦] أي الشواهد كالقرآن وسائر المعجزات ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] أي ما داموا مختارين الكفر، أو لا يهديهم طريق الجنة إذا ماتوا كفاراً
٢٥٣
﴿ أؤلئك ﴾ مبتدأ ﴿ جَزَآؤُهُمْ ﴾ مبتدأ ثانٍ خبره ﴿ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٨٧] وهما خبر أولئك أو جزاؤهم بدل الاشتمال من أولئك ﴿ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَـالِدِينَ ﴾ حال من الهاء والميم في عليهم ﴿ فِيهَآ ﴾ في اللعنة ﴿ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَالِكَ ﴾ الكفر العظيم والارتداء ﴿ وَأَصْلَحُوا ﴾ ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ [البقرة : ١٩٢] لكفرهم ﴿ رَّحِيمٌ ﴾ بهم.
ونزل في اليهود ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء : ٥٦] بعيسى والإنجيل ﴿ بَعْدَ إِيمَـاـنِهِمْ ﴾ [آل عمران : ٩٠] بموسى والتوراة ﴿ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا ﴾ [النساء : ١٣٧] بمحمد صلى الله عليه وسلّم والقرآن، أو كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلّم بعدما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفراً بإصرارهم على ذلك وطعنهم فيه في كل وقت أو نزل في الذين ارتدوا ولحقوا بمكة.
وازديادهم الكفر أن قالوا : نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون ﴿ لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ﴾ [آل عمران : ٩٠] أي إيمانهم عند البأس لأنهم لا يتوبون إلا عند الموت قال الله تعالى :﴿ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ﴾ [
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥٢
غافر : ٨٥] (غافر : ٥٨) ﴿ وَأُوالَـائكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الارْضِ ﴾ الفاء في فلن يقبل يؤذن بأن الكلام بني على الشرط والجزاء، وأن بسبب امتناع قبول الفدية هو الموت على الكفر، وترك الفاء فيما تقدم يشعر بأن الكلام مبتدأ وخبر ولا دليل فيه على التسبيب ﴿ ذَهَبًا ﴾ تمييز ﴿ وَلَوِ افْتَدَى بِهِ ﴾ [آل عمران : ٩١] أي فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً قال عليه السلام يقال للكافر يوم القيامة لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به؟ فيقول : نعم.
فيقال له : لقد سئلت أيسر من ذلك " قيل :
٢٥٤