﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ أي استقر له عليهم فرض الحج حج البيت : كوفي غير أبي بكر وهو اسم وبالفتح مصدر.
وقيل : هما لغتان في مصدر حج ﴿ مِنْ ﴾ في موضع جر على أنه بدل البعض من الكل ﴿ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ﴾ [آل عمران : ٩٧] فسرها النبي عليه السلام بالزاد والراحلة.
والضمير في إليه للبيت أو للحج وكل مأتي إلى الشيء فهو سبيل إليه.
ولما نزل قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت.
جمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال : إن الله تعالى كتب عليم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وهم المسلمون، وكفرت به
٢٥٨
خمس ملل قالوا : لا نؤمن به ولا نصلي إليه ولا نحجه فنزل ومن كفر أي جحد فرضية الحج وهو قول ابن عباس والحسن وعطاء، ويجوز أن يكون من الكفران أي ومن لم يشكر ما أنعمت عليه من صحة الجسم وسعة الرزق ولم يحج فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين } مستغنٍ عنهم وعن طاعتهم.
وفي هذه الآية أنواع من التأكيد والتشديد : منها اللام و " على " أي أنه حق واجب لله في رقاب الناس، ومنها الإبدال ففيه تثنية للمراد وتكرير له، ولأن الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين، ومنها قوله ومن كفر مكان ومن لم يحج تغليظاً على تاركي الحج، ومنها ذكر الاستغناء وذلك دليل على المقت والسخط، ومنها قوله عن العالمين وإن لم يقل عنه وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة، ولأنه يدل على الاستغناء الكامل فكان أدل على عظم السخط الذي وقع عبارة عنه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥٢
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥٩
﴿ قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَـابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِاَايَـاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ﴾ الواو للحال والمعنى لم تكفرون بآيات الله الدالة على صدق محمد عليه السلام والحال أن الله شهيد على أعمالكم فيجازيكم عليها؟ ﴿ قُلْ يَـا أَهْلَ الْكِتَـابِ لِمَ تَصُدُّونَ ﴾ الصد المنع ﴿ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ ﴾ [آل عمران : ٩٩] عن دين حق علم أنه سبيل الله التي أمر بسلوكها وهو الإسلام، وكانوا يمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم ومحل ﴿ تَبْغُونَهَا ﴾ تطلبون لها نصب على الحال ﴿ عِوَجَا ﴾ اعوجاجاً وميلاً عن القصد والاستقامة بتغييركم صفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن وجهها ونحو ذلك ﴿ وَأَنتُمْ شُهَدَآءُ ﴾ [آل عمران : ٩٩] أنها سبيل الله التي لا يصد عنها إلاّ ضال مضل ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَـافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة : ٧٤] من الصد عن سبيله وهو وعيد شديد.
ثم نهى المؤمنين عن اتباع هؤلاء الصادين عن سبيله بقوله
٢٥٩
﴿ تَعْمَلُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَـانِكُمْ كَـافِرِينَ ﴾ قيل : مرّ شاس بن قيس اليهودي على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس لهم يتحدثون، فغاظه تحدثهم وتألفهم فأمر شاباً من اليهود أن يذكرهم يوم بعاث لعلهم يغضبون، وكان يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس، ففعل فتنازع القوم عند ذلك وقالوا : السلاح السلاح.
فبلغ النبي عليه السلام فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار فقال " أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم " بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام وألف بينكم؟ فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان فألقوا السلاح وعانق بعضهم بعضاً باكين فنزلت الآية ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ ﴾ [آل عمران : ١٠١] معنى الاستفهام فيه الإنكار والتعجب أي من أين يتطرق إليكم الكفر ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٠١] والحال أن آيات الله وهي القرآن المعجز تتلى عليكم على لسان الرسول غضة طرية ﴿ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ [
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٥٩


الصفحة التالية
Icon