﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ ﴾ [آل عمران : ١٢٣] وهو اسم ماء بين مكة والمدينة كان لرجل يسمى بدراً فسمي به، أو ذكر بدراً بعد أحد للجمع بين الصبر والشكر.
﴿ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران : ١٢٣] لقلة العدد فإنهم كانوا ثلثمائة وبضعة عشر، وكان عدوهم زهاء ألف مقاتل والعدد، فإنهم خرجوا على النواضح يعتقب النفر منهم على البعير الواحد وما كان معهم
٢٦٩
إلا فرس واحد، ومع عدوهم مائة فرس والشكة والشوكة.
وجاء بجمع القلة وهو أذلة ليدل على أنهم على ذلتهم كانوا قليلاً فاتّقوا اللّه في الثبات مع رسوله ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة : ٥٢] بتقواكم ما أنعم الله به عليكم من النصر ﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران : ١٢٤] ظرف لـ نصركم على أن يقول لهم ذلك يوم بدر أي نصركم الله وقت مقالتكم هذه، أو بدل ثانٍ من إذ غدوت على أن تقول لهم ذلك يوم أحد ﴿ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَـاثَةِ ءَالَـافٍ مِّنَ الْمَلَـائكَةِ مُنزَلِينَ ﴾ [آل عمران : ١٢٤] منزّلين شامي.
منزلين أبو حيوة أي للنصرة.
ومعنى ألن يكفيكم إنكار أن لا يكفيهم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة، وجيء بـ " لن " الذي هو لتأكيد النفي للإشعار بأنهم كانوا لقلتهم وضعفهم وكثرة عدوهم وشوكته كالآيسين من النصر ﴿ بَلَى ﴾ إيجاب لما بعد لن أي يكفيكم الإمداد بهم فأوجب الكفاية.
ثم قال ﴿ إِن تَصْبِرُوا ﴾ [آل عمران : ١٢٥] على القتال ﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ خلاف الرسول عليه السلام ﴿ وَيَأْتُوكُم ﴾ يعني المشركين ﴿ مِّن فَوْرِهِمْ هَـاذَا ﴾ [آل عمران : ١٢٥] هو من فارت القدر إذا غلت فاستعير للسرعة ثم سميت بها الحالة التي لا ريث بها ولا تعريج على شيء من صاحبها فقيل " خرج من فوره " كما تقول " من ساعته لم يلبث " ومنه قول الكرخي " الأمر المطلق على الفور لا على التراخي " والمعنى إن يأتوكم من ساعتهم هذه ﴿ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ ءَالَـافٍ مِّنَ الْمَلَـائكَةِ ﴾ [آل عمران : ١٢٥] في حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم يعني أن الله تعالى يعجل نصرتكم وييسر فتحكم إن صبرتم واتقيتم
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٦٩
﴿ مُسَوِّمِينَ ﴾ بكسر الواو : مكي وأبو عمر وعاصم وسهل أي معلمين أنفسهم أو خيلهم بعلامة يعون بها في الحرب.
والسومة العلامة.
عن الضحاك : معلمين بالصوف الأبيض في نواصي الدواب
٢٧٠
وأذنابها.
غيرهم : بفتح الواو أي معلمين.
قال الكلبي : معلين بعمائم صفر مرخاة على اكتافهم، وكانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء فنزلت الملائكة كذلك.
قال قتادة : نزلت ألفاً فصاروا ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران : ١٢٦] الضمير يرجع إلى الإمداد الذي دل عليه أن يمدكم ﴿ إِلا بُشْرَى لَكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٢٦] أي وما جعل الله إمدادكم بالملائكة إلا بشارة لكم بأنكم تنصرون ﴿ وَلِتَطْمَـاـاِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ﴾ [آل عمران : ١٢٦] كما كانت السكينة لبني إسرائيل بشارة بالنصر وطمأنينة لقلوبهم ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِندِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٢٦] لا من عند المقاتلة ولا من عند الملائكة ولكن ذلك مما يقوي به الله رجاء النصرة والطمع في الرحمة ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الذي لا يغالب في أحكامه ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ الذي يعطي النصر لأوليائه ويبتليهم بجهاد أعدائه.
واللام في ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران : ١٢٧] ليهلك طائفة منهم بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش متعلقه بقوله : ولقد نصركم الله.
أو بقوله : وما النصر إلا من عند الله ".
أو بـ يمددكم ربكم ﴿ أَوْ يَكْبِتَهُمْ ﴾ [آل عمران : ١٢٧] أو يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة، وحقيقة الكبت شدّة وهن تقع في القلب فيصرع في الوجه لأجله ﴿ فَيَنقَلِبُوا خَآئِبِينَ ﴾ [آل عمران : ١٢٧] فيرجعوا غير ظافرين بمبتغاهم ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الامْرِ شَىْءٌ ﴾ [آل عمران : ١٢٨] اسم ليس شيء والخبر لك ومن الأمر حال من شيء لأنها صفة مقدمة ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأحزاب : ٢٤] عطف على ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم ووليس لك من الأمر شيء اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه، والمعنى أن الله تعالى مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا


الصفحة التالية
Icon