﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِى الامْرِ ﴾ [آل عمران : ١٥٩] أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي تطييباً لنفوسهم وترويحاً لقلوبهم ورفعاً لأقدارهم، ولتقتدي بك أمتك فيها.
في الحديث ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أحداً أكثر مشاورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
ومعنى شاورت فلاناً أظهرت ما عندي وما عنده من الرأي.
وشرت الدابة استخرجب جريها، وشرت العسل أخذته من مآخذه، وفيه دلالة جواز الاجتهاد وبيانا أن القياس حجة
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ ﴾ [آل عمران : ١٥٩] فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٥٩] في إمضاء أمرك على الأرشد لا على المشورة ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران : ١٥٩] عليه والتوكل الاعتماد على الله والتفويض في الأمور إليه.
وقال ذو النون : خلع الأرباب وقطع الأسباب ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران : ١٦٠] كما نصركم يوم بدر ﴿ فَلا غَالِبَ لَكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٦٠] فلا أحد يغلبكم وإنما يدرك نصر الله من تبرأ من حوله وقوته واعتصم بربه وقدرته ﴿ وَإِن يَخْذُلْكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٦٠] كما خذلكم يوم أحد ﴿ فَمَن ذَا الَّذِى يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ﴾ [آل عمران : ١٦٠] من بعد خذلانه وهو ترك المعونة، أو هو من قولك ليس لك من يحسن إليك من بعد فلان تريد إذا جاوزته، وهذا تنبيه على أن الأمر كله لله وعلى وجوب التوكل عليه ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران : ١٢٢] وليخص المؤمنون ربهم بالتوكل والتفويض إليه لعلمهم أنه لا ناصر سواه، ولأن إيمانهم يقتضي ذلك.
﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ﴾ [آل عمران : ١٦١] مكي وأبو عمرو وحفص وعاصم أي يخون،
٢٨٦
وبضم الياء وفتح الغين : غيرهم.
يقال غلّ شيئاً من المغنم غلولاً وأغلّ إغلالاً إذا أخذه في خفية، ويقال أغله إذا وجده غالاً، والمعنى ما صح له ذلك يعني أن النبوة تنافي الغلول، وكذا من قرأ على البناء للمفعول فهو راجع إلى هذا لأن معناه : وما صح له أن يوجد غالاً ولا يوجد غالاً إلا إذا كان غالاً.
روي أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال بعض المنافقين : لعل رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخذها فنزلت الآية ﴿ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [آل عمران : ١٦١] أي يأت بالشيء الذي غله بعينه حاملاً له على ظهره كما جاء في الحديث أو يأت بما احتمل من وباله وإثمه ﴿ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ﴾ [البقرة : ٢٨١] تعطي جزاءها وافياً ولم يقل " ثم يوفى ما كسب " ليتصل بقوله ومن يغلل بل جيء بعام ليدخل تحته كل كاسب من الغال وغيره فاتصل به من حيث المعنى وهو أبلغ، لأنه إذا علم الغال أن كل كاسب خيراً أو شراً مجزى فموفى جزاءه علم أنه غير متخلص من بينهم مع عظم ما اكتسب
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ أي جزاء كل على قدر كسبه ﴿ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٦٢] أي رضا الله قيل هم المهاجرون والأنصار ﴿ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٦٢] وهم المنافقون والكفار ﴿ وَمَأْوَاـاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [آل عمران : ١٦٢] المرجع ﴿ هُمْ دَرَجَـاتٌ عِندَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٦٣] هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات أو ذوو درجات، والمعنى تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين أو التفاوت بين الثواب والعاقب ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرُ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة : ٩٦] عالم بأعمالهم ودرجاتها فيجازيهم على حسبها.
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران : ١٦٤].
على من آمن مع رسول الله عليه السلام من قومه، وخص المؤمنين منهم لأنهم هم المنتفعون بمبعثه ﴿ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٦٤] من جنسهم عربياً مثلهم أو من ولد إسماعيل كما أنهم من ولده، والمنة في ذلك من حيث إنه إذا كان منهم كان اللسان واحد فيسهل أخذ ما يجب عليهم أخذه
٢٨٧