نعيم ﴿ إِيمَـانًا ﴾ بصيرة وإيقاناً ﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٥٩] كافينا الله أي الذي يكفينا الله.
يقال أحسبه الشيء إذا كفاه وهو بمعنى المحسب بدليل أنك تقول " هذا رجل حسبك " فتصف به النكرة لأن إضافته غير حقيقية لكونه في معنى اسم الفاعل ﴿ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران : ١٧٣] ونعم الموكول إليه هو ﴿ فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٧٤] وهي السلامة وحذر العدو منهم ﴿ وَفَضَّلَ ﴾ وهو الربح في التجارة فأصابوا بالدرهم درهمين ﴿ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُواءٌ ﴾ [آل عمران : ١٧٤] لم يلقوا ما يسوءهم من كيد عدو وهو حال من الضمير في انقلبوا، وكذا بنعمة والتقدير : فرجعوا من بدر منعمين بريئين من سوء ﴿ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٧٤] بجرأتهم وخروجهم إلى وجه العدو على أثر تثبيطه وهو معطوف على انقلبوا ﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران : ١٧٤] قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا.
﴿ إِنَّمَا ذَالِكُمُ الشَّيْطَـانُ ﴾ [آل عمران : ١٧٥] هو خبر ذلكم أي إنما ذلك المثبط هو الشيطان وهو نعيم ﴿ يُخَوِّفُ أَوْلِيَآءَهُ ﴾ [آل عمران : ١٧٥] أي المنافقين وهو جملة مستأنفة بيان لشيطنته، أو الشيطان صفة لاسم الإشارة ويخوف الخبر ﴿ فَلا تَخَافُوهُمْ ﴾ [آل عمران : ١٧٥] أي أولياءه ﴿ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران : ١٧٥] لأن الإيمان يقتضي أن يؤثر العبد خوف الله على خوف غيره.
و " خافوني " في الوصل والوقف : سهل ويعقوب، وافقهما أبو عمرو في الوصل.
﴿ وَلا يَحْزُنكَ ﴾ [آل عمران : ١٧٦] " يحزنك " في كل القرآن : نافع إلا في سورة الأنبياء ﴿ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاكْبَرُ ﴾ [الأنبياء : ١٠٣] (الأنبياء : ٣٠١) ﴿ الَّذِينَ يُسَـارِعُونَ فِى الْكُفْرِ ﴾ [آل عمران : ١٧٦] يعني لا يحزنوك لخوف أن يضروك ألا ترى إلى قوله ﴿ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شيئا ﴾ [آل عمران : ١٧٦] أي أولياء الله يعني أنهم لا يضرون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم وما وبال ذلك عائداً على غيرهم.
ثم بين كيف يعود وباله عليهم بقوله ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَلا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِى الاخِرَةِ ﴾ [آل عمران : ١٧٦] أي نصيباً من الثواب ﴿ وَلَهُمْ ﴾ بدل الثواب ﴿ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة : ٧] وذلك أبلغ ما ضر به الإنسان نفسه،
٢٩٢
والآية تدل على إرادة الكفر والمعاصي لأن إرادته أن لا يكون لهم ثواب في الآخرة لا تكون بدون إرادة كفرهم ومعاصيهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٠


الصفحة التالية
Icon