﴿ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِى بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ [آل عمران : ١٨٣] بالمعجزات سوى القربان ﴿ وَبِالَّذِى قُلْتُمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٣] أي بالقربان يعني قد جاء أسلافكم الذين أنتم على ملتهم ورضوان بفعلهم ﴿ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٣] أي إن كان امتناعكم عن الإيمان لأجل هذا فلم لم تؤمنوا بالذين أتوابه ولم قتلتموهم ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] في قولكم إنما نؤخر الإيمان لهذا ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [آل عمران : ١٨٤] فإن كذبك اليهود فلا يهولنك فقد فعلت الأمم بأنبيائها كذلك ﴿ جَآءُو بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ [آل عمران : ١٨٤] بالمعجزات الظاهرات ﴿ وَالزُّبُرِ ﴾ الكتب جمع زبور من الزبر وهو الكتابة.
وبالزبر : شامي ﴿ وَالْكِتَـابِ ﴾ جنسه ﴿ الْمُنِيرِ ﴾ المضيء.
قيل : هما واحد في الأصل وإنما ذكرا لاختلاف الوصفين، فالزبور كتاب فيه حكم زاجرة، والكتاب المنير هو الكتاب الهادي.
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ [الأنعام : ١٦٤] مبتدأ والخبر ﴿ ذَآ ـاِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [العنكبوت : ٥٧] وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من العموم، والمعنى لا يحزنك تكذيبهم إياك فمرجع الخلق إليّ فأجازيهم على التكذيب وأجازيك على الصبر وذلك قوله ﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [آل عمران : ١٨٥] أي تعطون ثواب أعمالكم على الكمال يوم القيامة فإن الدنيا ليست بدار الجزاء ﴿ فَمَن زُحْزِحَ ﴾ [آل عمران : ١٨٥] بعد، والزحزحة : الإبعاد ﴿ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾ [آل عمران : ١٨٥] ظفر بالخير.
وقيل : فقد حصل له الفوز المطلق.
وقيل : الفوز نيل المحبوب والبعد
٢٩٦
عن المكروه ﴿ وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلا مَتَـاعُ الْغُرُورِ ﴾ شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته، والشيطان هو المدلس الغرور.
وعن سعيد بن جبير : إنما هذا لمن آثرها على الآخرة، فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ.
وعن الحسن : كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل لها
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿ لَتُبْلَوُنَّ ﴾ والله لتبلون أي لتختبرن ﴿ فِى أَمْوَالِكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٦] بالإنفاق في سبيل الله وبما يقع فيها من الآفات ﴿ وَأَنفُسَكُمْ ﴾ بالقتل والأسر والجراح وما يرد عليه من أنواع المخاوف والمصائب، وهذه الآية دليل على أن النفس هي الجسم المعاين دون ما فيه من المعنى الباطن كما قال بعض أهل الكلام والفلاسفة، كذا في شرح التأويلات ﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٦] يعني اليهود والنصارى ﴿ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾ [آل عمران : ١٨٦] كالطعن في الدين وصد من أراد الإيمان وتخطئة من آمن ونحو ذلك ﴿ وَأَن تَصْبِرُوا ﴾ [النساء : ٢٥] على أذاهم ﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ مخالفة أمر الله ﴿ فَإِنَّ ذَالِكَ ﴾ [آل عمران : ١٨٦] فإن الصبر والتقوى ﴿ مِنْ عَزْمِ الامُورِ ﴾ [آل عمران : ١٨٦] من معزومات الأمور أي مما يجب العزم عليه من الأمور، خوطب المؤمنون بذلك ليوطنوا أنفسهم على احتمال ما سيلقون من الشدائد والصبر عليها حتى إذا لقوها وهم مستعدون لا يرهقهم ما يرهق من تصيبه الشدة بغتة فينكرها وتشمئز منها نفسه.
﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَـاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ ﴾ [آل عمران : ١٨٧] واذكر وقت أخذ الله ميثاق أهل الكتاب ﴿ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ﴾ [آل عمران : ١٨٧] عن الناس بالتاء على حكاية مخاطبتهم كقوله ﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ فِى الْكِتَـابِ لَتُفْسِدُنَّ ﴾ [الإسراء : ٤] (الإسراء : ٤) وبالياء : مكي وأبو عمرو وأبو بكر، لأنهم غيب والضمير للكتاب، أكد عليهم إيجاب بيان الكتاب واجتناب كتمانه ﴿ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٨٧] فنبذوا الميثاق وتأكيده عليهم أي لم يراعوه ولم يلتفتوا إليه، والنبذ وراء الظهر مثل في الطرح وترك الاعتداد، وهو دليل على أنه يجب على العلماء أن يبينوا الحق للناس وما علموه وأن لا يكتموا منه شيئاً لغرض فاسد من
٢٩٧