تسهيل على الظلمة وتطييب لنفوسهم، أو لجر منفعة أو دفع أذية، أو لبخل بالعلم، وفي الحديث من كتم علماً عن أهله ألجمه الله بلجام من نار ﴿ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ [آل عمران : ١٨٧] عرضاً يسيراً ﴿ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران : ١٨٧].
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٥
والخطاب في ﴿ لا تَحْسَبَنَّ ﴾ [النور : ٥٧] لرسول الله وأحد المفعولين ﴿ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ ﴾ [آل عمران : ١٨٨] والثاني بمفازة، وقوله فلا تحسبنهم تأكيد تقديره : لا تحسبنهم فائزين ﴿ بِمَآ أَتَوا ﴾ [آل عمران : ١٨٨] بما فعلوا وهي قراءة أبيّ و " جاء " و " أتى " يستعملان بمعنى فعل ﴿ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﴾ [مريم : ٦١] (مريم : ١٦).
﴿ لَقَدْ جِئْتِ شيئا فَرِيًّا ﴾ [مريم : ٢٧] (مريم : ٧٢).
وقرأ النخعي بما آتوا أي أعظوا ﴿ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ﴾ [آل عمران : ١٨٨] بمنجاة منه ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٤] مؤلم.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سأل اليهود عن شيء مما في التوراة فكتموا الحق وأخبروه بخلافه وأروه أنهم قد صدقوه واستحمدوا إليه وفرحوا بما فعلوا من تدليسهم، فأطلع الله رسوله على ذلك وسلاه بما أنزل من وعيدهم أي لا تحسبن اليهود الذين يفرحون بما فعلوا من تدليسهم عليك ويحبون أن تحمدهم بما لم يفعلوا من إخبارك بالصدق عما سألتهم عنه، ناجين من العذاب.
وقيل : هم المنافقون يفرحون بما أتوا من إظهار الإيمان للمسلمين وتوصلهم بذلك إلى أغراضهم، ويستحمدون إليهم بالإيمان الذي لم يفعلوه على الحقيقة.
وفيه وعيد لمن يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب ويحب أن يحمده الناس بما ليس فيه.
﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ فهو يملك أمرهما، وفيه تكذيب لمن قال " إن الله فقير " ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٨٤] فهو يقدر على عقابهم.
٢٩٨
﴿ إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَاخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لايَـاتٍ ﴾ لأدلة واضحة على صانع قديم عليم حكيم قادر ﴿ لاوْلِى الالْبَـابِ ﴾ [آل عمران : ١٩٠] لمن خلص عقله عن الهوى خلوص اللب عن القشر، فيرى أن العرض المحدث في الجواهر يدل على حدوث الجواهر، لأن جوهراً ما لا ينفك عن عرض حادث وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث، ثم حدوثها يدل على محدثها وذا قديم وإلا لاحتاج إلى محدث آخر إلى ما لا يتناهى، وحسن صنعه يدل على علمه، وإتقانه يدل على حكمته، وبقاؤه يدل على قدرته، قال عليه السلام ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها وحكي أنه كان في بني إسرائيل من إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة، فعبدها فتى فلم تظله فقالت له أمه : لعل فرطة فرطت منك في مدتك.
قال : ما أذكر.
قالت : لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر.
قال : لعل.
قالت : فما أوتيت إلا من ذاك
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿ الَّذِينَ ﴾ في موضع جر نعت لـ " أولي " أو نصب بإضمار أعني أو رفع بإضمارهم ﴿ يَذْكُرُونَ اللَّهَ ﴾ [النساء : ١٤٢] يصلون ﴿ قِيَـامًا ﴾ قائمين عند القدرة ﴿ وَقُعُودًا ﴾ قاعدين ﴿ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٩١] أي مضطجعين عند العجز وقياماً وقعوداً حالان من ضمير الفاعل في يذكرون.
وعلى جنوبهم حال أيضاً، أو المراد الذكر على كل حال لأن الإنسان لا يخلو من هذه الأحوال، وفي الحديث من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله " ﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها مما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه من عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه، وعن النبي عليه السلام بينا رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال : أشهد أن لك رباً وخالقاً، اللهم اغفر لي،
٢٩٩


الصفحة التالية
Icon