اللّه صفة له ﴿ وَمَا عِندَ اللَّهِ ﴾ [النحل : ٩٦] من الكثير الدائم ﴿ خَيْرٌ لِّلابْرَارِ ﴾ [آل عمران : ١٩٨] مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل.
لكن بالتشديد : يزيد وهو للاستدراك أي لإبقاء لتمتعهم لكن ذلك للذين اتقوا.
ونزلت في ابن سلام وغيره من مسلمي أهل الكتاب، أو في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم وكانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا.
﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٩٩] دخلت لام الابتداء على اسم " أن " لفصل الطرف بينهما ﴿ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم ﴾ [المائدة : ٦٨] من القرآن ﴿ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٩٩] من الكتابين ﴿ خَـاشِعِينَ لِلَّهِ ﴾ [آل عمران : ١٩٩] حال من فاعل يؤمن لأن من يؤمن في معنى الجمع ﴿ لا يَشْتَرُونَ بِـاَايَـاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا ﴾ [آل عمران : ١٩٩] كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم وهو حال بعد حال أي غير مشترين ﴿ أُوالَـائِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٩٩] أي ما يختص بهم من الأجر وهو ما وعده في قوله أولئك يؤتون أجرهم مرتين ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [آل عمران : ١٩٩] لنفوذ علمه في كل شيء.
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اصْبِرُوا ﴾ على الدين وتكاليفه.
قال الجنيد رضي الله عنه : الصبر حبس النفس على المكروه بنفي الجزع ﴿ وَصَابِرُوا ﴾ أعداء الله في الجهاد أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبراً منهم وثباتاً ﴿ وَرَابِطُوا ﴾ وأقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٩] الفلاح : البقاء مع المحبوب بعد الخلاص عن المكروه، و " لعل " لتغييب المآل لئلا يتكلموا على الآمال عن تقديم الأعمال.
وقيل : اصبروا في محبتي، وصابروا في نعمتي، ورابطوا أنفسكم في خدمتي لعلكم تفلحون تظفرون بقربتي.
قال النبي صلى الله عليه وسلّم " اقرأوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيابتان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما " والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
٣٠٣
سورة النساء
نزلت بالمدينة آياتها مائة وست وسبعون آية
﴿ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَآءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالارْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ يا بني آدم ﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء : ١] فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم أبيكم ﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [النساء : ١] معطوف على محذوف كأنه قيل : من نفس واحدة أنشأها وخلق منها زوجها، والمعنى شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها وهي أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حواء من ضلع من أضلاعه ﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا ﴾ [النساء : ١] ونشر من آدم وحواء ﴿ رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَآءً ﴾ [النساء : ١] كثيرة أي وبث منهما نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث، فوصفها بصفة هي بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها، أو على خلقكم والخطاب في يا أيها الناس للذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمعنى خلقكم من نفس آدم وخلق منها أمكم حواء وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء غيركم من الأمم الفائتة للحصر.
فإن قلت : الذي تقتضيه جزالة النظم أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يعدو إليها، فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره داعياً إليها؟ قلت : لأن ذلك مما يدل على القدرة العظيمة، ومن قدر على نحوه كان قادراً على كل شيء، ومن المقدورات عقاب الكفار والفجار فالنظر فيه يؤدي إلى أن يتقي القادر عليه ويخشى عقابه، ولأنه يدل على النعمة السابغة عليهم فحقهم أن يتقوه
٣٠٤
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٤