تكثر عيالكم واعترضوا عليه بأنه يقال : أعال يعيل إذا كثر عياله.
وأجيب بأن يجعل من قولك " عال الرجل عياله يعولهم " كقولك " مانهم يمونهم " إذا أنفق عليهم لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال.
وكلام مثله من أعلام العلم حقيق بالحمل على السداد وأن لا يظن به تحريف تعيلوا إلى تعولوا كأنه سلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات ﴿ وَءَاتُوا النِّسَآءَ صَدُقَـاتِهِنَّ ﴾ [النساء : ٤] مهورهن ﴿ نِحْلَةً ﴾ من نحله كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلاً، وانتصابها على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء فكأنه قال : وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة أي أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم، أو على الحال من المخاطبين أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء، أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيبة الأنفس.
وقيل : نحلة من الله تعالى عطية من عنده وتفضلاً منه عليهن.
وقيل : النحلة الملة وفلان ينتحل كذا أي يدين به يعني وآتوهن مهورهن ديانة على أنها مفعول لها.
والخطاب للأزواج، وقيل للأولياء لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم ﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ ﴾ [النساء : ٤] للأزواج ﴿ عَن شَىْءٍ مِّنْهُ ﴾ [النساء : ٤] أي من الصداق إذ هو في معنى الصدقات ﴿ نَفْسًا ﴾ تمييز وتوحيدها لأن الغرض بيان الجنس والواحد يدل عليه، والمعنى فإن وهبن لكم شيئاً من الصدقات وتجافت عنه نفوسهن طيبات غير مخبثات بما يضطرهن إلى الهبة من شكاسة أخلاقهم وسوء معاشرتكم.
وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقيل فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً ولم يقل " فإن وهبن لكم " إعلاماً بأن المراعي هو تجافي نفسها عن الموهوب طيبة ﴿ فَكُلُوهُ ﴾ الهاء يعود على شيء ﴿ هَنِياـاًا ﴾ لا إثم فيه ﴿ مَّرِياـاًا ﴾ لا داء فيه، فسرهما النبي عليه السلام أو هنيئاً في الدنيا بلا مطالبة، مريئاً في العقبى بلا تبعة، وهما صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغاً لا تنغيص فيه، وهما وصف مصدر أي أكلاً هنيئاً مريئاً، أو حال من الضمير أي كلوه وهو هنيء مريء، وهذه عبارة عن المبالغة في الإباحة وإزالة التبعة.
هنياً مرياً بغير همز : يزيد، وكذا حمزة في الوقف، وهمزهما الباقون.
وعن علي رضي الله عنه : إذا اشتكى أحدكم شيئاً فليسأل امرأته ثلاثة دراهم من صداقها ثم ليشتر بها
٣٠٧
عسلاً فليشربه بماء السماء فيجمع الله له هنيئاً ومريئاً وشفاء ومباركاً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٤
﴿ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ ﴾ المبذرين أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا قدرة لهم على إصلاحها وتثميرها والتصرف فيها، والخطاب للأولياء.
وأضاف إلى الأولياء أموال السفهاء بقوله ﴿ أَمْوَالَكُمُ ﴾ لأنهم يلونها ويمسكونها
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٨


الصفحة التالية
Icon