﴿ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَـامًا ﴾ [النساء : ٥] أي قواماً لأبدانكم ومعاشاً لأهلكم وأولادكم.
قيما بمعنى قياماً : نافع وشامي كما جاء " عوذا " بمعنى " عياذا ".
وأصل قيام قوام فجعلت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وكان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن، ولأن أترك مالاً يحاسبني الله عليه خير من أن أحتاج إلى الناس، وعن سفيان ـــــ وكان له بضاعة يقلبها ـــــ لولاها لتمندل بي بنو العباس ﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا ﴾ [النساء : ٥] واجعلوها مكاناً لرزقهم بأن تتجروا فيها وتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فيأكلها الإنفاق ﴿ وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَّعْرُوفًا ﴾ [النساء : ٥] قال ابن جريج : عدة جميلة إن صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم، وكل ما سكنت إليه النفس لحسنه عقلاً أو شرعاً من قول أو عمل فهومعروف، وما أنكرته لقبحه فهو منكر.
﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَـامَى ﴾ [النساء : ٦] واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ، فالابتلاء عندنا أن يدفع إليه ما يتصرف فيه حتى تتبين حاله فيما يجيء منه، وفيه دليل على جواز إذن الصبي العاقل في التجارة ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ﴾ [النساء : ٦] أي الحلم لأنه يصلح للنكاح عنده ولطلب ما هو مقصود به وهو التوالد ﴿ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ ﴾ [النساء : ٦] تبينتم ﴿ رُشْدًا ﴾ هداية في التصرفات وصلاحاً في المعاملات ﴿ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء : ٦] من غير تأخير عن حد البلوغ، ونظم هذا الكلام أن ما بعد حتى إلى ﴿ فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء : ٦] جعل غاية للابتلاء وهي حتى التي تقع بعدها الجمل كالتي في قوله :
حتى ماء دجلة أشكل
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٨
والواقعة بعدها جملة شرطية لأن " إذا " متضمنة معنى الشرط وفعل الشرط بلغوا النكاح وقوله : فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم جملة من شرط
٣٠٨
وجزاء واقعة جواباً للشرط الأول الذي هو إذا بلغوا النكاح فكأنه قيل : وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغهم واستحقاقهم دفع أموالهم إليهم بشرط إيناس الرشد منهم.
وتنكير الرشد يفيد أن المراد رشد مخصوص وهو الرشد في التصرف والتجارة، أو يفيد التقليل أي طرفاً من الرشد حتى لا ينتظر به تمام الرشد وهو دليل لأبي حنيفة رحمه الله في دفع المال عند بلوغ خمس وعشرين سنة.
﴿ وَلا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ﴾ [النساء : ٦] ولا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم فـ " إسرافاً " وبداراً " } مصدران في موضع الحال وأن يكبروا في موضع المصدر منصوب الموضع بـ بداراً، ويجوز أن يكونا مفعولاً لهما أي لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في إنفاقها وتقولن ننفق فيما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا ﴿ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء : ٦] قسم الأمر بين أن يكون الوصي غنياً وبين أن يكون فقيراً، فالغنى يستعف من أكلها أي يحترز من أكل مال اليتيم، واستعف أبلغ من عف كأنه طالب زيادة العفة والفقير يأكل قوتاً مقدراً محتاطاً في أكله.
عن إبراهيم.
ما سد الجوعة ووارى العورة ﴿ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ﴾ [النساء : ٦] بأنهم تسلموها وقبضوها دفعاً للتجاحد وتفادياً عن توجه اليمين عليكم عند التخاصم والتناكر ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء : ٦] محاسباً فعليكم بالتصادق وإياكم والتكاذب، أو هو راجع إلى قوله فليأكل بالمعروف أي ولا يسرف فإن الله يحاسبه عليه ويجازيه به.
وفاعل كفى لفظة الله والباء زائدة و " كفى " يتعدى إلى مفعولين دليله ﴿ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة : ١٣٧] (البقرة : ٧٣١).
﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاقْرَبُونَ ﴾ [النساء : ٧] هم المتوارثون من ذوي القرابات دون غيرهم ﴿ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ﴾ [
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٨