انتصب خالدين وخالداً على الحال، وجمع مرة وأفرد أخرى نظراً إلى معنى من ولفظها.
ندخله فيهما : مدني وشامي ﴿ وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [النساء : ١٤] لهوانه عند الله.
ولا تعلق للمعتزلة بالآية فإنها في حق الكفار إذ الكافر هو الذي تعدى الحدود كلها، وأما المؤمن العاصي فهو مطيع بالإيمان غير متعدٍ حد التوحيد ولهذا فسر الضحاك المعصية هنا بالشرك.
وقال الكلبي : ومن يعص الله ورسوله بكفره بقسمة المواريث ويتعد حدوده استحلالاً ثم خاطب الحكام فقال :﴿ وَالَّـاتِى ﴾ هي جمع " التي " وموضعها رفع بالابتداء ﴿ يَأْتِينَ الْفَـاحِشَةَ ﴾ [النساء : ١٥] أي الزنا لزيادتها في القبح على كثير من القبائح.
يقال أتى الفاحشة وجاءها ورهقها وغشيها بمعنى ﴿ مِّن نِّسَآ ـاِكُمُ ﴾ [الطلاق : ٤] من للتبعيض والخبر ﴿ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ [النساء : ١٥] فاطلبوا الشهادة ﴿ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ﴾ [النساء : ١٥] من المؤمنين ﴿ فَإِن شَهِدُوا ﴾ [النساء : ١٥] بالزنا ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ ﴾ [النساء : ١٥] فاحبسوهن ﴿ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ ﴾ [النساء : ١٥] أي ملائكة الموت كقوله ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّـاهُمُ الْمَلَـائكَةُ ﴾ [النحل : ٣٢] (النحل : ٨٢) أو حتى يأخذهن الموت ويستوفي أرواحهن ﴿ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ ﴾ [النساء : ١٥] قيل " أو " بمعنى " إلا أن " ﴿ سَبِيلا ﴾ غير هذه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما : السبيل للبكر جلد مائة وتغريب عام وللثيب الرجم لقوله عليه السلام خذوا عني، خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة يريد الزاني والزانية.
وبتشديد النون : مكي ﴿ وَالَّذَانِ يَأْتِيَـانِهَا مِنكُمْ ﴾ [النساء : ١٦] أي الفاحشة ﴿ فَـاَاذُوهُمَا ﴾ بالتوبيخ والتعيير وقولوا لهما أما استحييتما أما خفتما
٣١٦
الله ﴿ فَإِن تَابَا ﴾ [النساء : ١٦] عن الفاحشة ﴿ وَأَصْلَحَا ﴾ وغير الحال ﴿ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَآ ﴾ [النساء : ١٦] فاقطعوا التوبيخ والمذمة ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ [النساء : ١٦] يقبل توبة التائب ويرحمه.
قال الحسن : أول ما نزل من حد الزنا الأذى ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم، فكان ترتيب النزول على خلاف ترتيب التلاوة.
والحاصل أنهما إذا كانا محصنين فحدهما الرجم لا غير، وإذا كانا غير محصنين فحدهما الجلد لا غير، وإن كان أحدهما محصناً والآخر غير محصن فعلى المحصن منهما الرجم وعلى الآخر الجلد، وقال ابن بحر ؛ الآية الأولى في السحّاقات، والثانية في اللواطين، والتي في سورة النور في الزاني والزانية وهو دليل ظاهر لأبي حنيفة رحمه الله في أنه يعزر في اللواطة ولا يحد.
وقال مجاهد : آية الأذى في اللواطة ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ ﴾ [النساء : ١٧] هي من تاب الله عليه إذا قبل توبته أي إنما قبولها ﴿ عَلَى اللَّهِ ﴾ [النساء : ١٧١] وليس المراد به الوجوب إذ لا يجب على الله شيء ولكنه تأكيد للوعد يعني أنه يكون لا محالة كالواجب الذي لا يترك ﴿ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّواءَ ﴾ [النساء : ١٧] الذنب لسوء عقابه ﴿ بِجَهَـالَةٍ ﴾ في موضع الحال أي يعملون السوء جاهلين سفهاء لأن ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه.
وعن مجاهد : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته.
وقيل : جهالته اختياره اللذة الفانية على الباقية.
وقيل : لم يجهل أنه ذنب ولكنه جهل كنه عقوبته.
﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ﴾ [النساء : ١٧] من زمان قريب وهو ما قبل حضرة الموت ألا ترى إلى قوله : حتى إذا حضر أحدهم الموت.
فبين أن وقت الاحتضار هو الوقت الذي لا تقبل فيه التوبة.
وعن الضحاك : كل توبة قبل الموت فهو قريب.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : قبل أن ينظر إلى ملك الموت.
وعنه صلى الله عليه وسلّم إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " ومن للتبعيض أي يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضرة الموت زماناً قريباً ﴿ فَأُوالَـائكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [النساء : ١٧] عدة بأنه يفي بذلك وإعلام بأن الغفران كائن لا محالة ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا ﴾ [النساء : ١٧] بعزمهم على التوبة ﴿ حَكِيمًا ﴾ حكم بكون الندم توبة.
٣١٧
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١٣


الصفحة التالية
Icon