النساء : ١٩] لقبحهن أو سوء خلقهن ﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شيئا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ ﴾ [النساء : ١٩] في ذلك الشيء أو في الكره ﴿ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء : ١٩] ثواباً جزيلاً أو ولداً صالحاً.
والمعنى فإن كرهتموهن فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها فربما كرهت النفس ما هو أصلح في الدين، وأدنى إلى الخير، وأحبت ما هو بضد ذلك ولكن للنظر في أسباب الصلاح.
وإنما صح قوله ﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا ﴾ [النساء : ١٩] جزاء للشرط لأن المعنى : فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة فلعل لكم فيما تكرهونه خيراً كثيراً ليس فيما تحبونه.
وكان الرجل إذا رأى امرأة فأعجبته بهت التي تحته ورماها بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها فقيل :﴿ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ ﴾ [النساء : ٢٠] أي تطليق امرأة وتزوج أخرى ﴿ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاـاهُنَّ ﴾ [النساء : ٢٠] وأعطيتم إحدى الزوجات، فالمراد بالزوج الجمع لأن الخطاب لجماعة الرجال ﴿ قِنْطَارًا ﴾ مالاً عظيماً كما في " آل عمران ".
وقال عمر رضي الله عنه على المنبر : لا تغالوا بصدقات النساء.
فقالت امرأة : أنتبع قولك أم قول الله :﴿ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاـاهُنَّ قِنْطَارًا ﴾ [النساء : ٢٠].
فقال عمر : كل أحد أعلم من عمر، تزوجوا على ما شئتم ﴿ فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ ﴾ [النساء : ٢٠] من القنطار ﴿ شيئا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَـانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ [النساء : ٢٠] أي بيناً، والبهتان أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو بريء منه لأنه يبهت عند ذلك أي يتحير.
وانتصب بهتاناً على الحال أي باهتين وآثمين.
ثم أنكر أخذ المهر بعد الإفضاء فقال ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء : ٢١] أي خلا بلا حائل ومنه الفضاء، والآية حجة لنا في الخلوة الصحيحة أنها تؤكد المهر حيث أنكر الأخذ
٣١٩
وعلل بذلك ﴿ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَـاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء : ٢١] عهداً وثيقاً وهو قول الله تعالى :﴿ فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَـانٍ ﴾ [البقرة : ٢٢٩] (البقرة : ٩٢٢).
والله تعالى أخذ هذا الميثاق عى عباده لأجلهن فهو كأخذهن، أو قول النبي عليه السلام استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولما نزل لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً قالوا : تركنا هذا لا نرثهن كرهاً ولكن نخطبهن فننكحهن برضاهن فقيل لهم :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣١٨
﴿ وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ ﴾ [النساء : ٢٢] وقيل : المراد بالنكاح الوطء أي لا تطئوا ما وطيء آباؤكم، وفيه تحريم وطء موطوءة الأب بنكاح أو بملك يمين أو بزنا كما هو مذهبنا وعليه كثير من المفسرين.
ولما قالوا : كنا نفعل ذلك فكيف حال ما كان منا؟ قال :﴿ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [النساء : ٢٣] أي لكن ما قد سلف فإنكم لا تؤاخذون به، والاستثناء منقطع عن سيبويه.
ثم بين صفة هذا العقد في الحال فقال ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَـاحِشَةً ﴾ [الإسراء : ٣٢] بالغة في القبح ﴿ وَمَقْتًا ﴾ وبغضاً عند الله وعند المؤمنين وناس منهم يمقتونه من ذوي مروآتهم ويسمونه نكاح المقت وكان المولود عليه يقال له المقتى ﴿ وَسَآءَ سَبِيلا ﴾ [النساء : ٢٢] وبئس الطريق طريقاً ذلك.
ولما ذكر في أول السورة نكاح ما طاب أي حل من النساء وذكر بعض ما حرم قبل هذا وهو نساء الآباء ذكر المحرمات الباقيات وهن سبع من النسب وسبع من السبب، وبدأ بالنسب فقال :
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـاتُكُمْ ﴾ [النساء : ٢٣] والمراد تحريم نكاحهن عند البعض، وقد
٣٢٠